بقلم – حسين داعي الإسلام:
في الأيام الأخيرة، أفادت وسائل الإعلام الدولية بأن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي ، أرسل رسالة إلى علي خامنئي، الولي الفقيه للنظام الإيراني. وتهدف هذه الرسالة إلى تشجيع النظام على التفاوض والتخلي عن برامجه النووية وزعزعة الاستقرار في المنطقة. ولكن كما كان متوقعًا، رفض خامنئي بشدة أي نوع من التفاوض، معتبراً أنه علامة ضعف.
ويدرك خامنئي جيدًا أن هيكل حكمه قائم على ركيزتين: القمع الداخلي وتصدير الإرهاب. إذا قبل التفاوض وتخلى عن سياساته العدوانية والتوسع الإقليمي، فإنه بذلك يعرض وجود نظامه للخطر. لأن النظام لا يمكن أن يستمر دون القمع ونقل الأزمة إلى خارج حدود إيران. أي تنازل في المفاوضات يعني التراجع عن الاستراتيجية الأساسية للنظام الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية، وهذا ما يخشاه خامنئي بشدة.
ولكن من ناحية أخرى، فإن رفض التفاوض والاستمرار في المواجهة لن يكون بلا تكلفة. العزلة الدولية المتزايدة، والعقوبات المشددة، والاستياء الداخلي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، كلها أثمان باهظة عليه أن يدفعها. وهذا هو المأزق الاستراتيجي الذي وقع فيه خامنئي. فلا يستطيع التخلي عن سياسة خلق الأزمات، ولا يملك القدرة على مواجهة الضغوط المتزايدة داخليًا وخارجيًا.
في رده على هذه الرسالة، دون الإشارة المباشرة إلى محتواها، ألقى خامنئي خطابًا هجومياً، أكد فيه أن النظام الإيراني لن يخضع أبدًا لضغوط الولايات المتحدة، واعتبر التفاوض أداة لفرض مطالب “الأعداء”. وقال: “إصرار بعض الحكومات المتغطرسة على التفاوض ليس لحل القضايا، بل لفرض مطالبهم، ونحن لن نقبل بذلك”.
وتُظهر هذه التصريحات مرة أخرى أن النظام الإيراني غير مستعد للتراجع عن سياساته العدوانية في المنطقة، ويواصل الإصرار على المواجهة مع الغرب ودول المنطقة. هذا الموقف من خامنئي يأتي في وقت تسببت فيه العقوبات الواسعة ضد النظام الإيراني في تدمير الاقتصاد الإيراني وبلوغ السخط الشعبي ذروته.
إن رفض خامنئي للتفاوض يظهر مرة أخرى أن الأمل في تغيير سلوك النظام الإيراني من خلال التعامل الدبلوماسي ليس إلا سرابًا. فقد أكدت الولايات المتحدة وأوروبا مرارًا وتكرارًا أن النظام الإيراني قد يضطر إلى تغيير مساره فقط من خلال الضغط الأقصى. ولكن خامنئي، الذي يعتبر نفسه الزعيم المطلق للنظام، لم يُظهر أي مؤشر على التراجع.
وفي الوقت نفسه، يشعر حلفاء إيران الإقليميون أيضًا بالقلق إزاء استمرار سلوك النظام المزعزع للاستقرار. فالبرامج الصاروخية، ودعم الميليشيات المسلحة، والتدخل في شؤون الدول المجاورة، كلها جزء من سياسة خامنئي لتعزيز نفوذ إيران في المنطقة؛ وهي سياسة لم تؤدِّ فقط إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في إيران، بل ضاعفت أيضًا الضغوط الدولية على طهران.
يُظهر موقف خامنئي العدائي تجاه التفاوض مع الولايات المتحدة مرة أخرى الوجه الحقيقي للنظام الإيراني. فهو عالق في مأزق استراتيجي: إذا تفاوض، فإنه يهدد بقاء نظامه، وإذا لم يتفاوض، فعليه أن يدفع ثمن المواجهة الباهظ. هذه المعادلة تكشف هشاشة النظام الإيراني أكثر من أي وقت مضى. بدلاً من قبول الواقع، يصر خامنئي على السير في طريق يقود البلاد نحو الانهيار.