ایلاف – د. محمد الموسوي:
تخطط إيران منذ زمن بعيد لنقل العاصمة إلى جنوب البلاد
ماذا يتطلب حُلم البقاء وخيار المهادنة من أجل استمرار نظام الملالي في السلطة؟ هل الحرب خيار يضمن البقاء؟ أم الانضباط في إطار ما يُملى عليه من قبل الغرب؟
هل يأتي سعي وتخطيط نظام الملالي في إيران لنقل العاصمة الإيرانية التاريخية طهران إلى أراضٍ واقعة ضمن إقليم سيستان وبلوجستان امتداداً لسياسة المهادنة والاسترضاء القائمة بينه وبين الغرب؟
بداية، من جاء بالشاه في حينه ليكون شرطياً على المنطقة هو ذاته الذي جاء بالملالي على سدة الحكم في إيران كشرطي يخلف الشاه بعد خلعه، وبنفس الدور الذي كان مناطاً بالشاه، لا لشيء سوى ألا تسقط مخططاتهم في المنطقة. إذ لا علاقة للغرب بالمسيحية التي ينتمون إليها كوسيلة من أجل بلوغ الغايات، لذا فلن يكونوا حريصين على الإسلام بدرجة أعلى أو أقل من المسلمين؛ لكن الحقيقة هي أن الغرب كان بحاجة إلى مسلمين ميكيافيليين يستخدمون الإسلام كوسيلة من أجل بلوغ الغاية، خاصة عندما أدركوا أن الشاهنشاهية، صنيعتهم، على وشك الزوال. وبما أن الغرب ليس معنياً بقيام الديمقراطية في الشرق الأوسط، خاصَّة أنَّ الديمقراطية الشرق أوسطية تهدد مصالحه، فمن غير المستغرب أن يحافظ على مصالحه في إيران والمنطقة. وبما أن هدفهم تحقيق مشاريعهم وإنجاح مخططاتهم، فلن يكون ضرب الديمقراطية في إيران وإهداء منجزات ثورة شباط (فبراير) 1979 الوطنية الإيرانية إلى قوى شوفينية شمولية مستعدة لاستخدام الدين كشعار ميكيافيلي من أجل بلوغ الغاية، إلا أمراً يخدم الغرب مقابل اعتلاء الملالي السلطة في إيران والهيمنة على المنطقة باستعادة دور الشرطي الإقليمي، برؤية وتخطيط أكثر عمقاً ودقة مما كان مُعداً للحقبة الشاهنشاهية.
تحت مظلة سيناريو الرئاسة الجديدة لجمهورية نظام الملالي، السيناريو الذي جاء بمسعود بزشكيان كرئيس لهذه الجمهورية، جيء أيضاً بمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، ليس ليكون نائباً لرئيس الجمهورية فحسب، بل كمقرّب من الغرب وأفضل من يجيد سياسة المناورة والمراوغة في إطار نهج المهادنة والاسترضاء القائم بين الغرب والملالي. في ظل التوتر “المُعلن” بين الغرب والملالي بشأن البرنامج النووي، يقول ظريف ملمعاً صورة النظام في أعين الغرب في أحد لقاءاته الإعلامية على هامش لقاءات منتدى دافوس: “ليس لنا قوامة على محور المقاومة، ولم نكن نعلم بعملية طوفان الأقصى.. لا بل أضرت بنا هذه العملية، حيث كان من المقرر أن نجري محادثات هامة بشأن البرنامج النووي“. وفي أحاديث أخرى يناقض نفسه بقوله: “إنَّ محور المقاومة يقوم بأنشطته على نفقاتنا، لكنهم هم أصحاب القرار”. وهنا يريد تبرئة نظامه وتبييض صورته المشوهة للمضي قدماً في سياسة التحايل التي يتبعها. ثم يستطرد قائلاً: “نظامنا نظام فكري عقائدي يستطيع تحريك نبض الشارع في دول العالم بأي لحظة”، ومن خلال هذا التصريح يريد إرسال رسالة مفادها أن نظامه قادر على إثارة القلاقل في أي بقعة من العالم وقتما يشاء.
في حين أنَّ نظامه، كعادته، يسرق جهود وتضحيات الآخرين ويقفز عليها، وما ذلك بجديد عليهم، فهم يفعلون ذلك منذ سرقتهم لثورة شباط (فبراير) 1979. ويفترض، بحسب قول ظريف، أن مئات الملايين الذين خرجوا في جميع أنحاء العالم، الإسلامي وغير الإسلامي، نصرة لأهل غزة والقضية الفلسطينية بدافع إنساني، قد خرجوا تعبئةً خلف شعارات ونداءات نظام الملالي، الذي فشل في تعبئة عشرات الأشخاص لينطلقوا من صلاة الجمعة لالتقاط صورٍ للإعلام في مسيرة دقائق يهتفون فيها ويرفعون اللافتات للتسويق الإعلامي فقط. كذلك يُفترض أن نصدق نحن وسائر شعوب العالم ما يدّعيه هو ونظامه من أكاذيب، يخفي وراءها دمار غزة والعراق وسوريا واليمن وفلسطين، وحقق لسلطات الاحتلال في فلسطين وللغرب ما لم يكونوا يحلمون به. كما يخفون وراء كذبهم ومناوراتهم مخططاتهم التسليحية والنووية التي يسعون من خلالها إلى تركيع المنطقة بتوجيه من الغرب.
فرضيتا الحرب والبقاء
وفقاً لتصريحات ظريف وتياره المكلف باحتواء الأزمات بالخداع والمناورة، فإن نظام الملالي مستعد للحرب والدمار، لكنه أبعد ما يكون عنها في هذه المرحلة، وسيكتفي بالشعارات والرسائل التي دأب عليها منذ قيامه. وحراك ظريف وتياره بخطابهم هذا ما هو إلا دليل على مضي الملالي في سياسة المهادنة والاسترضاء إلى أبعد مدى، في سبيل كسب الوقت الذي سيمكنهم من امتلاك السلاح النووي، والمهادنة التي ستمكنهم من غض بصر الغرب عما يفعله النظام بالأقليات داخل إيران. فبسحق الأقليات والمعارضين الوطنيين الحقيقيين، يستتب للملالي الأمر في إيران حتى حين.
نقل مركز السلطة
سعى ويسعى نظام ولاية الفقيه في إيران إلى قمع الأقليات وكافة من يعارض وجوده وتوجهه، ولم يسلم حتى الشيعة من نهجه القمعي الفاشي. واعتقاداً من ولي الفقيه أنه بتنصيب شخص محسوب على الأتراك والأكراد كرئيسٍ لجمهوريته يكون قد شارك الأتراك والأكراد في السلطة وقطع عليهم دابر الخروج على السلطان، وأنه بنقل العاصمة الإيرانية التاريخية من طهران إلى أراضي سيستان وبلوجستان، ونقل كل السلطات ومراكز القمع في هذه العاصمة الجديدة وحولها، سيسهل قمع المواطنين البلوش الإيرانيين، وفرض هيمنة أوسع على منطقة الخليج وحسم النزاعات القائمة. كما يعتقد أنه يمكن ترويض العرب بالعصا والجزرة والشعارات الدينية والعنصرية، وبذلك سيستتب له الأمر ونظامه بالبقاء والاستقرار، خاصة بعد تركيع المنطقة بترسانته الصاروخية والنووية.
مثل نظام الملالي لا يُدرك قيمة الموروث والتراث الثقافي والفكري، وهو مستعدٌ للتنازل عن القيم التاريخية والدينية، والتضحية بكل شيء نظير البقاء في السلطة. وقد رأينا ذلك عندما ضحى بغزة وجنوب لبنان وحزب الله وقادته، ومن قبلهم محمد باقر الحكيم، قاسم سليماني، أبو مهدي المهندس، عماد مغنية، عباس الموسوي، محمد باقر الصدر، وموسى الصدر.
المساعي المحمومة والتضحيات الجسام التي يقدمها الملالي، كلها من أجل البقاء في السلطة، متناسين أن الشعب الإيراني بأكمله يرفضهم جملةً وتفصيلاً، ومستعد لدفنهم في مواقعهم إن تراجع الغرب عن دعمه للملالي واعترف بحق الشعب الإيراني في الكفاح المسلح دفاعاً عن نفسه، وصولاً إلى قيام جمهورية ديمقراطية حقيقية.
ما يخطط ويسعى له نظام الملالي من أجل امتلاك السلاح النووي، وترسانته الصاروخية العملاقة، ومساعيه تجاه الأقليات، ومشروع نقله للعاصمة إلى منطقة مكران الواقعة على ساحل خليج عمان، لا يوحي بأي خير أو سلام للشعب الإيراني والمنطقة برمتها.