موقع المجلس:
علی رغم من حرص نظام الملالي سنويًا على تنظيم ما يسمى بـ “عشرة الفجر” في محاولة لإظهار نفسه كقوة مستقرة تتمتع بدعم شعبي واسع. إلا أن التحضيرات الواسعة التي تسبق هذه المناسبة، وما يرافقها من تعبئة قسرية، تكشف حقيقة مأزقه العميق وسعيه المحموم لإخفاء تآكل شرعيته.
إخفاق في الحشد الجماهيري
هذا العام، أكثر من أي وقت مضى، ركّز النظام الإيراني جهوده على تعبئة الجماهير عبر أساليب مكشوفة. ومع ذلك، جاءت النتيجة كارثية، حيث عجز عن تحقيق الحضور الجماهيري الذي كان يأمل فيه. ولم يكن هذا الفشل مفاجئًا، فقد أشار الوليالفقیة علي خامنئي إلى أهمية الحشود بقوله:
“إصراري على الحضور الجماهيري والواسع للشعب الإيراني نابع من إدراكي بأن المشاركة الموحدة والمتحمسة والقوية للشعب ستجعل العدو يفقد الأمل. وعندما يفقد العدو الأمل، فإنه سيفقد فاعليته. إن حصانة البلاد تعتمد على حضور الشعب، وتراجع ضغوط الأعداء مرتبط بوحدة الشعب مع النظام وتعزيز الثقة المتبادلة بين الشعب والمسؤولين، وهذه الثقة يجب أن تتعزز يومًا بعد يوم.” (١)
وفي لقاء آخر، أكد قائلاً:
“العامل الداخلي، أي اجتهاد المسؤولين الملتزمين واتحاد الشعب، هو الذي يحل المشكلات. والمظهر الأبرز لهذا الاتحاد الوطني هو مسيرة ١١ فبراير، والتي نأمل أن نشهد هذا العام أيضًا تجليًا لهذه الوحدة.” (٢)
لكن الواقع على الأرض يكشف أن الشعب الإيراني، عبر هتافاته في الشوارع، يصرّح بوضوح أن العدو الحقيقي ليس خارج حدود إيران، بل في الداخل، جالسًا في بيت خامنئي.
عروض جوفاء ودعاية بلا مضمون
مع فشله في الحشد الجماهيري، لجأ النظام إلى الترويج الدعائي المبالغ فيه لتعويض غياب الحشود. فزعمت وسائل الإعلام الرسمية أن “٧٢٠٠ صحفي ومصور” قاموا بتغطية الفعاليات، وأن المسيرات نظّمت بشكل متزامن في “١٤٠٠ مدينة ومنطقة وأكثر من ٣٨ ألف قرية.” كما حاول النظام إضفاء طابع احتفالي على المناسبة عبر “إطلاق البالونات من برج آزادي” و”عروض القفز بالمظلات”.
لكن كل هذه الجهود لم تغير الواقع، فالمشهد ظل خاليًا من الحماس الشعبي، ليؤكد أن ما يقوم به النظام ليس سوى استعراض أجوف. وكما يقول المثل الفارسي الشهير: “أسمع جعجعةً ولا أرى طِحنًا!”
٤٦ عامًا من الفشل: نظام في طريقه إلى الزوال
في الذكرى الـ ٤٦ للثورة ضد نظام الشاه، أصبح واضحًا أن عمر هذا النظام بات في نهايته. فالنظام الديني الفاشي يواجه أزمة تفوق ما يبدو على السطح.
فعلى الصعيد الداخلي، زادت سياسات القمع الوحشي من غضب الشعب بدلاً من إخماد احتجاجاته. الإعدامات الجماعية، الاعتقالات العشوائية، والتضييق المستمر على الحريات لم تؤدِّ إلى استقرار النظام، بل عمّقت السخط الشعبي.
أما اقتصاديًا، فإيران على شفا الانهيار. فقد أدى الارتفاع الحاد في سعر الدولار، والتضخم الذي يناهز ٤٠٪، ونقص الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء إلى تأجيج الغضب الشعبي. في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من الفقر المدقع، يواصل النظام تبديد ثروات البلاد على تمويل الميليشيات الإقليمية، بدلاً من تحسين أوضاع الشعب. أما المقاطعة الواسعة للانتخابات، التي بلغت ٩٠٪، فكانت دليلًا واضحًا على تراجع قاعدة النظام الشعبية ورفض الشعب له.
انهيار النفوذ الإقليمي: إخفاقات من سوريا إلى لبنان
تعتمد استراتيجية النظام الإيراني على توسيع نفوذه الإقليمي عبر دعم الحكومات والميليشيات التابعة له. إلا أن هذه السياسة باتت تواجه تحديات خطيرة. فقد شكّل انهيار النظام السوري، الحليف الأبرز لطهران، نقطة تحول كبيرة في فشل طموحاتها التوسعية. فعلى الرغم من الدعم العسكري الكبير الذي قدمته قوات حرس النظام الإيراني وحزب الله للأسد، لم يتمكن النظام السوري من الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية.
إضافة إلى ذلك، فإن إغلاق الممرات البرية والجوية التي كانت تستخدمها إيران لدعم ميليشياتها في لبنان أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة ضد مصلحة النظام الإيراني.
وأدرك الشعب الإيراني مدى ضعف وهشاشة قوات حرس الإيراني والميليشيات التابعة له، مما زاد من ثقته بقدرته على إسقاط النظام. وقد أضفى هذا الأمر زخمًا جديدًا على الحراك الشعبي داخل البلاد.
نظام محاصر وأزمة خانقة
ومما زاد من حدة مأزق النظام هو تردده بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الانخراط في مفاوضات دولية، ما يعني تقديم تنازلات مؤلمة، أو الاستمرار في العناد والمواجهة، مما يعرضه لعزلة أشدّ وانهيار أسرع.
ولكن التهديد الأكبر لا يأتي من الخارج، بل من الداخل. فحالة الغليان الشعبي والمقاومة المنظمة تهدد بقاء النظام أكثر من أي عامل خارجي. وكما عبّرت المعارضة بوضوح:
“نظام الملالي محاصر من كل الجهات—بالثوار الشباب، والمجتمع المشتعل بالغضب، وبالأزمات الداخلية والخارجية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.” (٣)
وهكذا، فإن محاولات النظام لعرض قوته من خلال احتفالات ٢٢ بهمن لم تؤدِّ إلا إلى كشف ضعفه المتزايد. فقد فشلت دعايته في التغطية على أزماته المتفاقمة، وأظهرت مدى هشاشته في مواجهة غضب الشارع. وبينما يحاول النظام التشبث بالسلطة، يظل الشعب الإيراني مصممًا على المضي قدمًا نحو التغيير الجذري.