الحوار المتمدن- كاتب وشاعرمحمد حسين الموسوي:
بين المدرستين التضحية مِن أجل مَن تُحب وتنتمي إليه وتؤمن به أو تعمل مع النمرود… والفارق هو كالفارق بين من هو مع إبراهيم أو من هو النمرود وشتان بين المدرستين، والاستدلال بسيط..
ينحسر النظر بشأن الموقف السياسي في إيران بين مدرستين الأولى مدرسة نفعية وصولية غير منضبطة اعتادت التسلق على أكتاف الغير غير آبهة برادعٍ ديني أو أخلاقي متخذة من الدين شعاراً ووسيلة للوجود متنامية متوددةً حول السلطة ويقع نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران اليوم على امتداد تلك المدرسة وها قد أمضى ما يربو على أربعة عقود ونصف متسلطا على رقاب العباد في إيران متمددا منها إلى الجوار مُنبِتا فيه زرعا له أشد قبحاً وأسوأ نهجاً، وأما المدرسة الثانية فهي المدرسة الوطنية التحررية التي هي امتداد للكفاح الثوري الإيراني ضد الاستعمار والرجعية وأيضاً للثورة الدستورية ونهضة مصدق وثورة فبراير الوطنية ثورة عام 1979 وتتمثل هذه المدرسة في المقاومة الإيرانية (المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والقوى المنضوية تحت لوائه ومنها منظمة مجاهدي خلق الایرانیة)، وترفض هذه المدرسة؛ المدرسة الأولى كليا لما تنتهجه من تحايل باسم الدين من أجل السلطة والنفوذ، وبالتالي فهي ترفض ما ينتهجه نظام الملالي منذ أن قام في إيران بعد سرقة ثورة فبراير شباط الوطنية 1979 وتسميتها بالثورة الإسلامية وفي هذه التسمية مصادرة لجهود الوطنيين الآخرين الذي شاركوا في إنجاح الثورة؛ لكن استخدام مفردة إسلامية يعني التوجه نحو السلطة باسم الإسلام عبثاً بعواطف البسطاء من الناس الذي لا خبرة لهم بحيل وخبث الملالي الذي رافقوا الشيطان من كثرة لعنهم إياه فتفوقوا عليه.
بين المدرستين
في مقارنة بين المدرستين هنا لتبيان لمن تكون الشرعية ولمن تكون الأهلية…
المدرسة الأولى: وهي الحاكمة اليوم بيدها السلطة والمال والنفوذ والسلاح تهب وتمنح وتذبح وتسلخ وتسجن وتحرر وتقتل وتعفي من القتل فبذلك تُحيي من أعفته من القتل إن مجدها مؤمناً بها وهي نفس مدرسة الطغيان مدرسة النمرود بن كنعان الذي اتبع هواه وبالنهاية هلك هو ومدرسته.. في مدرسة الملالي هذه التي هي كمدرسة النمرود بخطاب آخر كل من يدعي الثورية والوطنية والتضحية والدفاع عن الوطن يعمل بأجر يتقاضاه من المال العام مال الشعب الذي مصدره إما الضريبة التي يدفعها المواطن أو مصادر الدخل القومي الأخرى كالثروات الطبيعة والجمارك ومدخولات السياحة وما شابه؛ وهنا لا تضحية فيما يُقدم بل هو أجير منتفع والأجدر بهم أن يبتعدوا عن تلك الشعارات الكبيرة الضخمة التي تفوق مداركهم وطاقاتهم وأن يقولو نحن موظفو سلطة ندافع عنها وفاءا لما نتقاضاه من أجور وامتيازات، ومثل هؤلاء صيادو فرص لا علاقة لهم بالوطن ولا بالوطنية، وما هم عليه من سلطة ونفوذ لا يُعد شرعية ولا حقاً مكتسباً فالحق بَيِنٌ لا يقبل الشك ويُقره الباطل في عميق وجدانه في لحظات صحوته، وكل ما قام على العدل فهو حق، ولم تعرف هذه المدرسة الأولى منطق العدل إلا حينما يتعلق الأمر بمنافعها ومنافع حاشيتها فقط… ماذا قدمت المدرسة الأولى وامتدادها نظام ولاية الفقيه القائم في السلطة في إيران اليوم؟ قدمت شعارات لا علاقة لها بالحقائق، ومجازر، وحروب وكوارث شملت إيران والمنطقة!!! وماذا نشرت؟ نشرت الأكاذيب تلو الأكاذيب والفتن تلو الأخرى، وكيف أدارت وجودها؟ أدارته بالاحتيال، والقمع، والحديد، والنار، والدم، والكذب، والخداع والعدوان على الجار!!!
المدرسة الثانية: وهي مدرسة المقاومة الإيرانية المجني عليها المصادرة حقوقها المذبوح أبناؤها المملوءة بهم السجون على آرائهم وقيمهم في حين تجد سجناء المدرسة الأولى مسجونون بتهم تتعلق بالتجسس والاختلاس والفساد.. المدرسة الثانية مدرسة التضحية والايثار التي رفضت الباطل منذ قام ورفضت عروضه وامتيازاته.. لا رواتب فيها ولا امتيازات لأحد.. رهنت دماء أبناءها لهدف اسمه الوطن والإنسان والعدالة الاجتماعية؛ شعارها وغايتها الحقيقة.. ونشرت الحقيقة التي تغاضى عنها الكثيرين وفي نهاية المطاف اعترفوا بأنها الحقيقة.. لذا فهي الحقيقة ولا شرعية لغير الحقيقة..
في المدرسة الثانية يحتفلون سنويا على مدار أيام بيوم الارتباط المباشر، وهو احتفال توادٌ وتواصل يراه البعض أنه احتفال يتحقق فيه الدعم المادي والسياسي والمعنوي للمقاومة ومنظمتها المحورية مجاهدي خلق من قِبل أنصارها.. لكنه ليس ذلك فحسب بل هو أشبه بالاحتفال بالإرادة الحرة بيوم البيعة؛ فيه يتواصل مِن داخل إيران مَن له القدرة على تكلفة المكالمة الدولية في ظل قهر النظام وإشاعته للفقر.. يتواصل ليقول لهذه المدرسة نحن معكم وننتمي إليكم، وهذا ما نستطيع تقديمه.. شخصيا أرى أن القضية ليست قضية إعلان التبرعات التي يتم الإعلان عنها فهي بمجملها لا تكفي نفقات الجانب الإعلامي لو اعتمدت المقاومة نمط عمل الفضائيات وأجهزة الإعلام وإنما هي استعراض حقيقي للشرعية الوطنية ورسالة مؤكدة من هذه المدرسة بأنها تمتلك إرادتها وقرارها وليست أسيرة بيد أحد إلا ما تتعرض له من مؤامرات خارج الأعراف والقوانين كمحاصرتها وممارسة شتى أشكال الضغوط عليها.. وللخصوصية التي تتميز بها هذه المدرسة أنفق نظام الملالي مليارات الدولارات على محاربتها وتشويهها ولم يُفلح…
القيم النضالية النقية أمر يُجله ويوقره الجميع، ولتوافر هذه القيم النضالية على هذا النحو في المدرسة الثانية أيضا يجعل المنصف فينا يقر بأنها هي الشرعية.. الشرعية الشعبية، والشرعية الفكرية والإرادة التي تتدرع بالحقيقة لتصنع النصر، وأنها وإن طال الزمن ستنتصر وأن مستقبل إيران الحرة لن يكون إلا معها.. ومعها سيرى الشعب الإيراني حريته وينال حقوقه، وكذلك تستقر منطقة الشرق الأوسط وعندها لن يكون هناك إلا القضية الفلسطينية وستنتصر بإذن الله بمجرد قطع أذرع ملالي إيران الممتدة داخل الفصائل الفلسطينية والذي كان نتيجته فناء غزة والعودة بمسار القضية الفلسطينية إلى الوراء.
د. محمد حسين الموسوي/ كاتب عراقي