موقع المجلس:
لطالما عانت نضالات الشعب الإيراني من غياب ثلاثة عوامل حاسمة: تنظيم طليعي، وجيش تحرير وطني، وبديل ديمقراطي ووطني. في خطابها يوم 5 سبتمبر 2020، وصفت السيدة مريم رجوي هذه العوامل المفقودة بـ «مثلث النواقص الأساسية»، وهو المثلث الذي حال دون نجاح الانتفاضات الوطنية في تحقيق أهدافها، مما أدى إلى سرقة الثورات من قبل الانتهازيين وحرف مسارها عن أهدافها الحقيقية.
خطوات المقاومة الإيرانية لسد هذه الثغرات
خلال الثورة المناهضة للشاه، كان قادة وكوادر منظمة مجاهدي خلق الایرانیة يقبعون في سجون الشاه حتى 20 يناير 1979، ما منحهم وقتًا محدودًا لتحويل حركتهم إلى منظمة وطنية شاملة. لكن، ورغم التضييق السياسي السريع الذي فرضه نظام خميني، اتخذت المقاومة الإيرانية خطوات جوهرية لمعالجة هذه النواقص، شملت:
تدريب كوادر مخلصة لقضية الحرية من الجيل الذي خرج من رحم الثورة المناهضة للشاه.
تأسيس شباب مجاهدي خلق، حيث تطور هذا الكيان لاحقًا وتمثل في جيش التحرير الوطني الإيراني.
إنشاء بديل ديمقراطي يضم القوى المعارضة برؤية واضحة «لا للشاه ولا لحكم الملالي»، وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
صياغة برنامج للحكومة الانتقالية واختيار رئيس مؤقت لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر بعد سقوط النظام.
إعلان جبهة التضامن ودعوة القوى السياسية الجمهورية المعارضة للانضمام إليها.
تشكيل وحدات الانتفاضة لتنظيم وقيادة الانتفاضات الشعبية داخل إيران.
إطلاق حملة دبلوماسية ثورية لكسب التأييد الدولي لقضية الشعب الإيراني.
تشكل هذه الخطوات الحد الأدنى الضروري لنجاح ثورة الشعب الإيراني في مواجهة الفاشية الدينية وأي بدائل مزيفة يسعى النظام أو داعموه إلى فرضها. فبدون بديل ديمقراطي، ستواجه إنجازات الثورة خطر الوقوع مجددًا في براثن الاستبداد والانحراف السياسي.
هذه المرة.. الثورة لن تُسرق
على عكس التجارب السابقة، بات من المستحيل اختطاف الثورة الإيرانية، وذلك للأسباب التالية:
إسقاط الاستبداد الديني يتطلب تحطيم حرس النظام الإيراني وأجهزته القمعية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عبر التنظيم والتضحية والنضال الميداني. هذه الثورة لن تندلع عبر الفضاء الإلكتروني، بل ستُحسم على الأرض، في شوارع طهران ومدن إيران.
الخدعة التي استخدمها خميني في 1979 أصبحت مكشوفة. لقد اكتسب الشعب الإيراني وجيله الثوري وعيًا كافيًا لمنع تكرار سيناريو «الالتفاف حول قائد بلا برنامج»، الذي سمح لخميني بالسطو على الثورة.
الشباب والنساء هم في طليعة الثورة الديمقراطية. وتأخذ وحدات الانتفاضة اليوم الإلهام من قادة نذروا أنفسهم للنضال ولم يطالبوا بأي شيء لأنفسهم طوال أربعة عقود من المقاومة المستمرة.
استمرار النضال الثوري منذ 20 يونيو 1981، مرورًا بانتفاضات 2017، 2019، و2022، جعل من المستحيل على أي قوى انتهازية أو عديمة التكلفة سرقة الثورة. وقد جسد الشعب الإيراني وعيه السياسي بشعاره الحاسم: «الموت للظالم، سواء كان الشاه أوخامنئي»، ما يثبت أنه لن يسمح بعودة الاستبداد بأي شكل من الأشكال.
المسؤولية الوطنية والحتمية التاريخية
إن إدراك أهمية سد هذه الثغرات يجب ألا يقلل من عزيمة القوى الثورية والديمقراطية في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة. فـ الاستبداد والرجعية يعملان بلا هوادة لاختطاف الثورة وطمس مكاسبها. ولذلك، فإن يقظة الثوار ووجودهم النشط في جميع الساحات هو الضمانة الوحيدة لاستمرار الكفاح حتى النهاية.
لقد حان الوقت لأن يسمع العالم صوت الشعب الإيراني المنادي بالحرية. فالإيرانيون لا يسعون فقط إلى الحرية والديمقراطية، بل يطمحون أيضًا إلى الإطاحة الكاملة بنظام الملالي وإقامة جمهورية ديمقراطية خالية من حكم الشاه والملالي.
هذا هو الحلم الذي يسكن قلب كل إيراني حر، وهو الوعد الذي قطعته المقاومة الإيرانية على نفسها، ولن تتراجع عن تحقيقه مهما كلف الأمر.
إظهار الجاهزية للإطاحة بالنظام
بات النظام الفاشي الديني في أضعف حالاته، بعد أن فقد عمقه الاستراتيجي في المنطقة، وأصبح يواجه مجتمعًا قابلاً للانفجار، ومقاومة لا تهدأ داخل البلاد وخارجها، ما يجعله في حالة انهيار وشيك.
وفي ظل هذه الظروف، فإن واجب كل إيراني حر أن يقف بكل قوته وعزيمته للنضال من أجل مستقبل مشرق لإيران. فـ الاحتجاجات المتصاعدة دليل واضح على الإرادة الفولاذية للشعب الإيراني في انتزاع حريته المسلوبة. أما في الداخل، فلا تزال وحدات الانتفاضة والنشطاء الثوريون يواصلون نضالهم دون توقف، مضيئين مشاعل الانتفاضة في كل زاوية من البلاد.
وفي هذا السياق، فإن المظاهرة الكبرى للإيرانيين في الخارج، والمقررة يوم 8 فبراير 2025 في باريس، تعد فرصة تاريخية لإيصال صوت الشعب الإيراني إلى العالم، ولإظهار العزم الجماعي على إسقاط هذا النظام البائد.
إننا نعيش لحظة تاريخية تُحدد فيها مصائر الشعوب والأوطان.