حدیث الیوم:
موقع المجلس:
بسبب الفشل الاستراتيجي في سوریا، اضحی خامنئي خليفة النظام الرجعي، الذي انهار تحت أنقاض انهيار عمقه الاستراتيجي في المنطقة، ولا سيما سقوط الحليف الذي دام خمسين عامًا لنظامه، أي عائلة الأسد المكروهة، بات في حالة يُرثى لها. ففي آخر خطاب له يوم الثلاثاء 28 يناير، حذّر خامنئي أزلامه المتجولين في دبلوماسية التوسل قائلًا: ” لنفتح أعيننا ولنكن حذرين مع من نتعامل ونتحدث”.
لكن مشكلة خامنئي لا تقتصر فقط على الضعف والعجز في الساحة الدبلوماسية. بل إنه، داخل ولايته المضطربة، وقع تحت أنقاض فشل استراتيجيته، وراح يتخبط في أزماته. لقد كان وقع الضربة المميتة المتمثلة في سقوط دكتاتور سوريا على جسد النظام المتآكل كالسّم القاتل.
ولا تنحصر معضلته في أن عناصر الحرس والباسيج المذلولين يرفعون شكواهم متسائلين: لماذا لم نتمكن، رغم حشد مئة ألف مقاتل وإنفاق مليارات الدولارات، من الحيلولة دون سقوط الأسد؟ ماذا حدث لـ”الدفاع عن الحرم”؟ لماذا انسحبنا من الساحة؟ هل ذهبت دماء القتلى هباءً؟… بل تكمن القضية في جرح سياسي واستراتيجي عميق، جعل النظام يتهاوى من الداخل وأطلق ألسنة النقد ضد الولي الفقيه المفلس. خاصة وأن خامنئي، منذ عقدين، واجه مرارًا بعض كبار المسؤولين في النظام الذين عارضوا الاستثمارات الضخمة في بشار الأسد، لكنه أصرّ على إرسال عشرات الآلاف من عناصر الحرس والباسيج لدعم هذا الديكتاتور الدموي.
قبل بضع سنوات، عندما أحكم دكتاتور سوريا قبضته على السلطة بمساعدة الجلاد قاسم سليماني والمجرم همداني، من خلال سحق مدن مثل حلب وقتل مئات الآلاف من السوريين الأبرياء وتهجير الملايين، عمّت أوساط خامنئي وأركان نظامه حالة من النشوة، مدّعين أن “استراتيجية الخليفة” في سوريا قد انتصرت، وراحوا يتغنون بمآثر الجلاد سليماني.
مع سقوط بشار الأسد السريع في سوريا، وما تلاه من انكشاف الجرائم الوحشية في سجن صيدنايا، انهارت استراتيجية خامنئي على رأسه، وارتفعت أصوات الاعتراض من داخل النظام ووسائل إعلامه ضده. إلى درجة أن بعضهم وصف مزاعمه حول “العمق الاستراتيجي” بأنها مجرد هذيان، قائلين:
“… في الأساس، هذه الاستراتيجية التي تعتمد على فكر العمق الاستراتيجي وهذه الأحاديث الفارغة لا يمكن أن تصمد. في الواقع، يمكن القول إننا تلقينا صفعة من التاريخ لأننا لم نقرأه جيدًا، وكررنا الأخطاء الماضية، ورأينا نتائج ذلك بتكلفة باهظة جدًا“ (جنتخواه، موقع ديدار – 12 يناير).
أما سليماني أردستاني، العضو في “مجمع المدرسين في حوزة قم”، فقد قال:
“ديكتاتور يظلم شعبه، ونحن نتدخل ونسمي ذلك ‘الدفاع عن الحرم’! النظام ارتكب خطأً فادحًا ويجب أن يعتذر للشعب، دون محاولة التغطية عليه. بأي حق دافعنا عن ديكتاتور سفاح؟… هذه المزاعم بأننا ننقل ‘الخندق الدفاعي’ إلى مكان آخر لحماية أنفسنا ليست أخلاقية ولا دينية ولا شرعية! إنها غير قابلة للدفاع! ما نسمعه لا علاقة له بالدين“ (ديدار نيوز – 18 ديسمبر).
وفي مواجهة هذه الانتقادات، حاول خامنئي تبرير موقفه في خطاب دفاعي قائلاً:
“هناك من يروج لفكرة أن الدماء التي سالت في سبيل الدفاع عن الحرم قد أُهدرت. هذا خطأ جسيم يرتكبونه… الدماء لم تذهب هدرًا…” (1 يناير).
لكن مثل هذه التبريرات الدفاعية لم تفلح في مواجهة الانهيار الاستراتيجي، وظلت الانتقادات الداخلية تنهال على رأسه. وفي رد على محاولات الولي الفقيه وحرسه المنهار لتبرير الفشل، كتبت وسيلة إعلام حكومية تحت عنوان “الهروب إلى الأمام”:
“من الأساليب الشائعة للمتشددين، خاصة بعد تلقيهم هزائم ساحقة، هي الهروب إلى الأمام. بدلاً من الاعتراف بفشل السياسات السابقة وضرورة تغيير النهج، يواصلون الإصرار بجنون على التمسك بالماضي، وكأن كل ما حدث كان صحيحًا!” (همميهن – 16 يناير)