تحليل شامل عن سقوط بشار الأسد و هزيمة استراتجية للنظام الإيراني في سوريا
الكاتب: إحسان أمين الرعايا:
العاصفة التي اجتاحت سوريا من 27 نوفمبر إلى 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 وهزت نظام خامنئي طرحت سؤالًا مهمًا: ما هو العامل الرئيسي في انهيار سريع لنظام بشار الأسد؟ هذا السؤال نابع من صراع فكري أعمق يدور حول المدى الحقيقي للقوة الحاكمة في إيران. لماذا، رغم امتلاك إيران لجيش يتكون من 100 ألف جندي ومئات القواعد العسكرية في سوريا، انهار النظام الإيراني في اللحظة الحاسمة من تاريخ هيمنته على هذا البلد ولم يتمكن من الحفاظ على أهم حلفائه في المنطقة؟
في الإجابة على هذا السؤال، لا أحد يكرر نظرية تأثير القوى الأجنبية أكثر من خامنئي. في أول خطاب له بعد سقوط بشار الأسد، اختصر سبب هزيمته بالقول إنه في الأيام الأخيرة “منعت الطائرات الصهيونية والأمريكية” طائراته من عبور الأجواء لإرسال “العتاد، الأفراد، والجنود” إلى “حدود الزينبية”.[1]
من الناحية المنطقية، هذه مغالطة واضحة وتحريف للحقائق. خامنئي قدم ما يريد شرحه كسبب بدلاً من تقديم دليل منطقي. الأمر كما لو أن ملاكمًا تم ضربه بالضربة القاضية يشرح سبب هزيمته بضربة قوية من خصمه، بدلاً من أن يعترف بعدم قدرته أو تسرعه الذي سمح للخصم بالفرصة للتوجيه تلك الضربة التي لم يتمكن من تحملها.
كيف يجب أن نرى سقوط دكتاتورية بشار الأسد؟ هذه الحادثة لها طابع مزدوج: من جهة تكشف عن أزمة نظام ولاية الفقيه – أزمة تهدد وجود هذا النظام نفسه – ومن جهة أخرى، هي حلقة في عملية سقوط النظام الإيراني.
سرعة الأحداث في شهر كانون الأول، اضطراب خامنئي، انهيار قوات حرس النظام الإيراني في سوريا، وردود فعل النظام اللاحقة يمكن تفسيرها كلها ضمن هذه العبارة.
المسألة ليست في أن ضربة عسكرية كبيرة وُجهت للنظام. رغم أنه من الناحية العسكرية والاستخباراتية، ما حدث هو تدمير الجزء الأكبر من آلة الحرب الخاصة بالنظام في المنطقة، وهو أمر لا يمكن تعويضه. كما أن المشكلة ليست في أن الممرات الاستراتيجية للنظام لدعم وحفظ حزب الله قد دُمرت،[2] بل ما هو أبعد من ذلك، حيث انهار أحد أركان بقاء نظام ولاية الفقيه. فمنذ سنوات، كان النظام قد أقام روابط وثيقة بين وجوده ومواقعه في سوريا كوسيلة للهروب من الثورة والسقوط. هذه الروابط لم تعد موجودة.
فيما يتعلق بحرب غزة، التي كان خامنئي أحد مؤسسيها وأحد أطرافها الرئيسية، قال قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي بوضوح وحسم: “أكبر الخاسرين الاستراتيجيين في هذه الحرب هو خامنئي”. في 8 كانون الأول، وصل الخسران الاستراتيجي إلى ذروته في دمشق، مما أدى إلى تدهور النظام إلى مستويات هزيلة.
الأحداث التي استمرت 11 يومًا في سوريا، كدليل متكامل، تقدم وثيقة حاسمة لرؤية العيار الحقيقي لقوة حرس النظام الإيراني. لقد تم اختبار القوة العسكرية ومجموعة القدرات المختلفة للحرس في سياق معركة حاسمة.
لحظة انهيار قوات النظام، وخصوصًا لحظة بدايتها في منطقة حلب، تعتبر في غاية الأهمية. هذه اللحظة تمنح فهمًا جديدًا لمسار تدهور قوة النظام، وهو بالضبط ما يسعى النظام لتغطية التستر عليه.
إن لحظة بداية انهيار قوات حرس النظام الإيراني ليست مجرد مسألة تكتيكية، بل هي تجسيد لضعف أساسي في النظام بأسره. بمعنى أنه لو كانت لديه القوة والقدرة الكافية، لكان بإمكانه منع هذا الانهيار.
وكالة تسنيم للأنباء – وهي الوسيلة الإعلامية الرئيسية التابعة لفيلق القدس في حرس النظام الإيراني – تقدم صورة لافتة عن ساحة المعركة الأولى: “من الناحية العسكرية، في الضواحي الغربية لمحافظة حلب، حيث بدأت الاشتباكات، كان للمقاومة حضور كبير. تقول الجماعات المعارضة أن للمقاومة أكثر من 30 قاعدة في هذه المنطقة، بينما في الخرائط التي لا تكبرها المعارضة، يقولون إن المقاومة كانت على الأقل تسيطر على 17 نقطة في هذه المنطقة”.[3]
هذه التقارير لا تترك مجالًا للشك في محدودية الإمكانيات العسكرية للنظام في مواجهة القوة الصغيرة للمعارضين.
أما بالنسبة لعدد قوات النظام، فالدليل الأهم هو مقابلة مع رئيس روسيا. الحكومة الروسية هي الطرف الأكثر اطلاعًا الذي يمكنه التعليق على أحداث تلك الأيام في سوريا، حيث كانت مشاركة في هذه الحرب. منذ عدة سنوات، كان لدى روسيا 21 قاعدة هامة و93 نقطة عسكرية في مناطق مختلفة من سوريا، بالإضافة إلى قاعدة جوية كبيرة في اللاذقية وقاعدة بحرية كبيرة في طرطوس.
قال الرئيس الروسي في مقابلة مع التلفزيون الحكومي: ” “350 من مقاتلي المعارضة دخلوا حلب، وانسحب 30 ألف جندي من القوات الحكومية والقوات الموالية لإيران دون قتال، وفجروا مواقعهم وغادروا. وحدث وضع مماثل في جميع أنحاء سوريا”
وفقًا لهذه الرواية، فإن قوات خامنئي وبشار الأسد التي يبلغ عددها 30 ألف جندي قد تعرضت للهزيمة بمعناها الدقيق في تلك اللحظة. المصادر التي تحدثت مع وكالة رويترز خلال هذه الحرب أكدت أن “القوات الإيرانية والجماعات المتحالفة معها كانت تسيطر على القيادة… وكان معظم هيكل القيادة العملياتية للجيش السوري يُدار من قبل المستشارين العسكريين الإيرانيين والجماعات المتحالفة معهم. وقد تركت مغادرة الإيرانيين المفاجئة الجيش السوري في وضع حرج وبدون قيادة، مما أدى إلى سلسلة من الانسحابات المتتالية”.[4]
ماذا حدث في تلك اللحظة الاستثنائية في قيادة حرس النظام الإيراني؟ من الساعة الأولى، كان مركز القيادة لديهم مسرحًا للاشتباكات والقتال الداخلي. في نفس اليوم، أعلن النظام أن العميد كيومرث بورهاشمي، قائد الحرس، قد قُتل. لكن بعد أسبوعين من الصمت، تم الإعلان عن الحادث بشكل غامض وقالوا إنه قُتل على يد “عميل أمريكي”.[5]
استخدام مصطلح “عميل أمريكي” يشير إلى عنصر داخلي قد يكون من قوات الحرس أو من قوات بشار الأسد. في كل الأحوال، في لحظة بداية الحرب، فقد النظام قيادته بسبب الصراعات الداخلية. هذه الحلقة تمثل جزءًا من نفس الانهيار.
بدأت الحرب في حلب في 27 نوفمبر، وانتهت في 29 نوفمبر. ومنذ ذلك الحين وحتى هجوم القوات المعارضة على مدينة حماة، كان لدى حرس النظام الإيراني 6 أيام وكان يمتلك القوة والأسلحة والذخائر والمقرات الكافية للوقوف في حماة. ولكن هناك أيضًا تكرر نفس نمط الهزيمة والانهيار. كانت نقطة الحسم الأخيرة في حمص، المدينة التي كان الحرس قد أنشأ فيها قاعدة جوية كبيرة قبل سبع سنوات. للحفاظ على حمص، نقل النظام قوات حزب الله النخبة المسماة “رضوان” من لبنان إلى هذه المدينة. لكن سرعة انهيار النظام في هذه المدينة لم تكن أقل من المدن السابقة، وأكبر إنجاز حققه هو إجبار أعضاء حزب الله على الفرار بسرعة إلى لبنان.
أخيرًا، في دمشق ومنطقة الزينبية، التي كانت المراكز الرئيسية لقيادة حرس النظام الإيراني، لم يتمكن النظام من القيام بأي شيء سوى إرسال قادته وعناصره الحساسة بشكل متسرع إلى حدود العراق أو إلى مطار حميميم ليهربوا من هناك إلى إيران. هذا الضعف والفوضى لم يكن نتيجة مفاجأة أو مواجهة مع تغيير مفاجئ وزلزالي. من بين الأطراف القليلة التي لم تفاجأ بأحداث كانون الأول في سوريا، كان خامنئي وحرسه. هو نفسه قد ذكر مرة ووزير خارجيته عدة مرات أنهم كانوا على علم بخطة المعارضين لبدء الهجوم والعمليات قبل عدة أشهر وقد أبلغوا الحكومة السورية بذلك أيضًا.[6]
في الحقيقة، إن انهيار قوات حرس النظام الإيراني في سوريا هو نتيجة الضعف الشديد للنظام الحاكم في طهران الذي ظهر سابقًا في تحولات كبيرة. من بين هذه التحولات، هناك العقوبات غير المسبوقة على دورتين انتخابيتين، انهيار القاعدة السياسية لخامنئي في هيئة الحكم، مقتل رئيس جمهورية خامنئي إبراهيم رئيسي، استعداد المجتمع للانتفاضة بقيادة وحدات الانتفاضة… وغيرها.
الحرس الذي جمع خامنئي أجزائه بالمال والمزايا، يمكنه أن يظهر قوته في السجون، أثناء تعذيب السجناء العزل، أو في الشوارع أمام الناس العزل والذين لا يملكون أي سلاح. ولكن عندما يواجه قوة مسلحة، تكون النتيجة كما رأينا.
سرعة الأحداث في سوريا، دون أخذ الوضع الحرج لقوات النظام السوري في الحسبان، أدت إلى انتشار فرضيات وتكهنات حول التواطؤ السري بين القوى الكبرى، التي ترى أن ديناميكيات انسحاب القوات العسكرية وانتهاء حكم الأسد هي نتيجة لهذه الصفقات. على سبيل المثال، يُقال إن روسيا قد اتفقت مع دونالد ترامب على تسوية بشأن سوريا في إطار إنهاء الحرب في أوكرانيا. هناك أيضًا تكهنات تشير إلى أن تركيا أو حتى نظام خامنئي كان طرفًا في هذه الصفقات.
هذه الفرضيات لا تدعمها بيانات كافية. ومع ذلك، في أي فرضية يتم استخدامها كأساس للتحليل، لا يمكن إنكار حقيقتين مرفقتين بالواقع:
من الناحية السياسية، كان النظام الإيراني حتى اللحظة الأخيرة لا يريد التخلي عن سوريا أو قبول سقوط بشار الأسد.
من الناحية العسكرية، على عكس بعض الروايات التي تصف انسحاب النظام من نقاط مختلفة في الصراع ومن جميع أنحاء سوريا على أنه “انسحاب” منظم، ما شوهد في حلب وحماة وحمص ودمشق وعلى الحدود مع العراق ولبنان هو أن قوات النظام الإيراني كانت في حالة فوضى وهروب. هذه المرة تكررت “لحظة سايغون” لقوات خامنئي. وقال الرئيس الروسي: “إذا كان أصدقاؤنا الإيرانيون يطلبون منا سابقًا مساعدتهم في نقل قواتهم إلى الأراضي السورية، فقد طلبوا الآن مساعدتنا في إخراجهم منها. لقد نقلنا 4 آلاف مقاتل إيراني إلى طهران“.[7]
هل هي جبهة خلفية أم نقطة بقاء؟
بعد سقوط بشار الأسد، ادعى خامنئي أن هدفه من إرسال حرس النظام الإيراني إلى سوريا كان أولاً مواجهة “فتنة داعش”، وثانيًا أنه لم يكن له نطاق أو استمرارية كبيرة.[8]
من جانبه، قال علي أكبر أحمديان، “أمين المجلس الأعلى للأمن القومي”: “بعد انتهاء حكم داعش، قمنا بسحب قواتنا بناءً على طلب الحكومة السورية، ولم يكن لدينا أي حضور عملياتي في المنطقة.”[9]
هل كان وجود حرس النظام الإيراني في سوريا مؤقتًا ومحدودًا؟ هل كانت سوريا مجرد ممر لنقل الأسلحة والذخائر اللازمة لحزب الله؟ أم يجب النظر إلى نفوذ النظام في سوريا من منظور مختلف تمامًا؟
أهم طرف كشف بشكل مستمر عن تدخلات النظام الإجرامية في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011 هو المقاومة الإيرانية.
في عام 2015، نشر مكتب المجلس الوطني للمقاومة في الولايات المتحدة كتابًا حول تدخلات النظام في سوريا. وفقًا لهذا الكتاب، كان عدد قوات النظام آنذاك حوالي 70 ألف شخص، يشملون حوالي 10 آلاف من الحرس، 6 آلاف من الجيش التابع لخامنئي، 20 ألفًا من الميليشيات العراقية، 15 إلى 20 ألفًا من فاطميون (الأفغان)، 7 إلى 10 آلاف من حزب الله اللبناني، و5 إلى 7 آلاف من زينبيون (الباكستانيين).
بعد عام، في أكتوبر 2017، كشف المجلس الوطني للمقاومة في تقرير جديد عن أن عدد الميليشيات الموالية لحرس النظام الإيراني في سوريا تجاوز 100 ألف شخص. وأكدت التقارير اللاحقة أن النظام حافظ على عدد قواته في سوريا عند هذا الحد طوال السبع سنوات الماضية. في العام الماضي، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تحليل لها يتوقع “أن الشرق الأوسط يتجه نحو حرب كبيرة”، أن إيران كانت تضم حوالي 100 ألف مقاتل عراقي في سوريا.[10] في اليوم الأخير قبل سقوط بشار الأسد، قال محمد جواد لاريجاني، “خبير ومحلل شؤون غرب آسيا”، لوسائل الإعلام التابعة للنظام: “القوات الضخمة للمقاومة في سوريا تزيد عن 100 ألف شخص”.[11]
في هذه الحرب، وفقًا لمصادر النظام، قُتل 6 آلاف من قوات حرس النظام الإيراني. ومع الأخذ في الاعتبار عدد الضحايا بين القادة، يجب أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك.[12]
بالإضافة إلى جيش مكون من 100 ألف فرد، كان خامنئي وحرسه قد سيطروا على جزء كبير من أراضي سوريا وعلى الشؤون الأمنية والعسكرية والاستخبارية في هذا البلد. لقد قاموا بتغيير التركيبة السكانية لسوريا بما يتماشى مع مصالحهم السياسية والعسكرية. في منطقة المزة بدمشق، سيطروا على مساحة واسعة بحيث أصبحت المنطقة مأهولة بالسكان الإيرانيين فقط. كما خصصوا منطقة كبيرة حول الزينبية لسكنا قوات حزب الله اللبناني. بشكل عام، فإن التغيير الديموغرافي في سوريا الذي تم بالتعاون مع بشار الأسد كان مشروعًا بدأ منذ ما لا يقل عن 30 عامًا. تم تنفيذ هذا المشروع من خلال تدمير مراكز وثائق الملكية، والقصف، وتجويع الناس لتهجيرهم قسريًا، ومنح الجنسية السورية للمقاتلين اللبنانيين والأفغان والباكستانيين والعراقيين، وإسكانهم في المناطق التي تم إخلاؤها، وغيرها من الإجراءات.
تُقدّر التقارير أن التركيبة السكانية قد تغيرت في ما لا يقل عن اثني عشر منطقة في سوريا، بما في ذلك في داريا بدمشق، وكذلك في المناطق القريبة من الحدود اللبنانية والعراقية. كان خامنئي يسعى لإنشاء مناطق شيعية متصلة في سوريا لتوفير ممر آمن لنقل القوات والأسلحة إلى البحر الأبيض المتوسط.
في عام 2023، تم تسريب جزء من الوثائق الداخلية لوزارة الخارجية للنظام من قبل قناة “الانتفاضة حتى إسقاط النظام”، والتي أظهرت أن ديون حكومة بشار الأسد للنظام الإيراني في العقد 2010 قد وصلت إلى 50 مليار دولار. هذه الديون لا تشمل المبالغ الأخرى التي تم منحها لبشار الأسد منذ عام 2021. طوال هذه الفترة، كان يتم تسليم 60 إلى 70 ألف برميل من النفط الإيراني يوميًا لحكومة بشار.[13] آخر ناقلة نفط تم إرسالها له من إيران في صباح يوم الأحد 19 ديسمبر (بعد ساعات من فرار بشار الأسد) تم إرجاعها عبر قناة السويس إلى إيران.[14]
من ناحية أخرى، فإن الـ50 مليار دولار هي فقط تكلفة النفط والمبالغ النقدية التي تم منحها للديكتاتورية السورية ولا تشمل التكاليف العسكرية للنظام في سوريا، بما في ذلك تكاليف البنية التحتية الاجتماعية والدينية والثقافية. على سبيل المثال:
وفقًا لتقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، من بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011 وحتى عام 2023، أنفق النظام ما بين 30 إلى 35 مليار دولار على البنية التحتية العسكرية واللوجستية، تدريب القوات السورية، ونقل المستشارين العسكريين.
في عام 2013، تم بناء قاعدة دير الزور بتكلفة حوالي 250 مليون دولار لتخزين الصواريخ واستيعاب 1500 من القوات والمستشارين.
في عام 2015، تم إنشاء مركز لوجستي في اللاذقية بتكلفة 180 مليون دولار لتخزين الأسلحة وبناء الأنفاق تحت الأرض.
في عام 2017، تم بناء قاعدة جوية T-4 بتكلفة 400 مليون دولار بهدف استيعاب أنظمة الدفاع الجوي الروسية والإيرانية والمخابئ تحت الأرض للطائرات بدون طيار والصواريخ بالقرب من تدمر في محافظة حمص.
بشكل عام، كان للنظام في سوريا سبع قواعد جوية، 15 مستودعًا للصواريخ، 22 مركز قيادة، و85 كيلومترًا من الأنفاق تحت الأرض[15].
“لجنة الإغاثة” التي تُعرف بأنها هيئة خيرية، في الواقع هي هيئة دعم الحرب في سوريا ولبنان. تشمل مشاركتها في مشاريع البناء الواسعة في سوريا[16]. وفي الواقع هذه اللجنة تعمل ككيان إسناد ودعم للحرب في سوريا ولبنان. وهي شاركت في سوريا في أعمال بنايات بشكل واسع.
مؤسسة مسكن الثورة الإسلامية، التي تستحوذ على جزء كبير من ميزانية الدولة سنويًا، والتي مهمتها الظاهرة هي بناء منازل رخيصة للفقراء، هي أيضًا إحدى الهيئات الداعمة للحرب في سوريا ولبنان. بين عامي 2016 و2021، أنفقت المؤسسة ما يصل إلى 1.5 مليار دولار لإعادة بناء الأحياء السكنية في مدينة حلب.
شركة صناعات بحرية صدرا التابعة لحرس النظام الإيراني، بين عامي 2015 و2020، استثمرت أكثر من 1.2 مليار دولار في تحديث ميناء طرطوس.
البنوك الإيرانية التي هي في حالة إفلاس داخليًا، وفقًا لتقرير البنك المركزي، خصصت أكثر من 5 مليار دولار لتمويل المشاريع في سوريا.
و …
دراسة التسلسل الزمني الدقيق للأحداث في سوريا والعراق تؤكد أن بعد احتواء وحشية داعش في عام 2017، زاد تواجد حرس النظام الإيراني في سوريا. كانت سوريا، التي كانت في البداية أهم دولة حليفة للنظام في المنطقة، قد تحولت بعد الحرب الأهلية إلى دولة تابعة للنظام. وبالتالي، في حالة سقوط بشار الأسد، فقد النظام جزءًا من المنطقة التي كانت تحت سيطرته.
العراق أولاً أم إيران؟
حسين همداني، أحد القتلة الذين شاركوا في قمع انتفاضة عام 2009 في إيران وارتقى لاحقًا إلى قيادة قوات النظام في سوريا، كان من بين قائمة طويلة من الجنرالات الذين لقوا حتفهم في سوريا.[17] في أحد تصريحاته التي نشرت بعد وفاته، شرح دور سوريا الحيوي بالنسبة للنظام قائلاً: “في اجتماع قال آية الله خامنئي:… بشار الأسد يقاتل نيابة عنا، هو يقاتل من أجلنا، إذا قرر اليوم ألا يساعد حزب الله فهذا يكفيه… أحد المسؤولين العسكريين الرفيعين لدينا يقول: أمريكا بدأت حربها معنا من سوريا. في اجتماع آخر مع آية الله، قال: إذا تمكنوا من إنهاء سوريا، فإنهم سيتجهون إلى العراق، ثم إلى إيران! فرد عليه آية الله قائلاً: لا، سيتوجهون مباشرة إلى إيران.”[18]
هذا الاقتباس، بالإضافة إلى العديد من التصريحات الصريحة الأخرى من خامنئي وغيرهم من الملالي وقادة الحرس، يؤكد على الدور الحيوي لسوريا في بقاء النظام. منذ عام 1980، عندما اعتبر خميني الحرب مع العراق – والتي أسفرت عن مليون قتيل إيراني – نعمة إلهية لنظامه واستخدمها لقمع مجاهدي خلق الإيرانية وإخفاء قمعه الوحشي، كان النظام بحاجة دائمًا إلى تصدير الحرب والإرهاب إلى دول المنطقة. إن نظام ولاية الفقيه لا ينفصل عن إشعال الحروب في المنطقة. في ظل الأوضاع المتدهورة للنظام، يعتبر الحرب كملاذ لحماية نفسه. من خلال إشعال الحروب، يقوم بقفل أي محاولات للانتفاضات ويغلق الطريق أمام حركة الاحتجاجات. كما حدث منذ 7 أكتوبر 2023 بعد بدء الحرب في غزة، حيث أغلق طريق انفجار الانتفاضات في إيران. وهذا هو أكبر فائدة حققها خامنئي من هذه الحرب.
نتيجة هذه الفوائد والمواقف يمكن تلخيصها في مفهوم الهيمنة السياسية، التي تمثل مجموعة من جميع المواقف الاجتماعية والمالية والسياسية والإيديولوجية والطبقية.
إذا ضعفت هيمنة خامنئي، فإن النظام سيضعف بأسره. وإذا فقدها أو اضطر لقبول شريك فيها، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار النظام بشكل مباشر.
من أين جاءت هيمنة خامنئي؟ من الناحية الإيديولوجية والدينية والروحية، لم يكن له أبداً قاعدة راسخة أو احترام داخل القاعدة الاجتماعية الضعيفة للنظام. كانت آراء الشعب والقبول الاجتماعي دائمًا بمثابة الكذبة الكبرى لولاية الفقيه. وبالتالي، تأمنت هيمنة خامنئي من خلال امتلاكه للحرس (قوة القمع)، والاستيلاء على ممتلكات الشعب الإيراني، وتصدير الحرب والإرهاب – خصوصًا من خلال التغلغل في سوريا.
ببساطة، في ميزان القوى داخل النظام، كان خطاب خامنئي يتسم دائمًا بتفاخر من قبيل: “أنا هو الذي يمتلك سوريا أو حزب الله”.
وفقًا لهذه المنطق، بعد بداية الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، والتي كان خامنئي يحقق انتصارًا فيها في بداياتها، لجأ قادة النظام مثل خاتمي، حفيد الخميني، صادق لاريجاني، وحسن روحاني إلى المدح والتزلف لخامنئي. في حين أن في الأيام الأخيرة، مع تدمير كل ما تبقى من مصالح خامنئي في سوريا، بدأ خاتمي، مثلًا، يطالب بتقاسم السلطة مع خامنئي مطالبًا بتنفيذ مطالبه الـ15، في حين أن خطورة “الوضع” بالنسبة للنظام أصبحت واضحة تمامًا، حيث كرر هذا 7 مرات في تصريحات قصيرة.[19]
من هذه الزاوية، فإن سقوط حكومة بشار الأسد، الذي كشف بوضوح عن تراجع وضع الهيمنة الحاكمة، له تأثير مضاد للقمع، ويُحرك القوة المقموعة، ويفتح الطريق للانتفاضات. كما يفتح الفجوات داخل النظام ويضع ولاية الفقيه في موقف صعب من الداخل والخارج.
الشكوك الحتمية لدى خامنئي
استخدام مصطلح “الخطأ” بالنسبة للطغاة الذين وصلوا إلى نهاية الطريق قد لا يكون دقيقًا تمامًا. إذا أردنا استخدام هذا المصطلح، فمن الأفضل أن نقول إنهم ـ وهنا خامنئي ـ يرتكبون أخطاءً لا يستطيعون تجنبها.
هذه الحالة المتناقضة تنبع من الضرورات في المرحلة النهائية للنظام. على سبيل المثال، اليوم يقوم نظام ولاية الفقيه بتطبيق سياسة رفع أسعار السلع ضمن إطار سياسة كبرى. هذه الخطة من وجهة نظر مصالح النظام نفسها تعتبر محفوفة بالمخاطر وتغذي الحركة الاحتجاجية، ومع ذلك يواصل الحكام الفاسدون ـ من رييسي الجلاد إلى بزشكيان المحتال ـ تنفيذها.
بناءً على هذا، فإن أكبر خطأ ارتكبه خامنئي هو إشعال نار الحرب في غزة. الحرب لها قوانين تختلف تمامًا عن فترة السلم. إنها تخلق عوامل لا يمكن تصورها في الأوقات السابقة. ديالكتيكها القاسي وتأثيرها الذي تحركه، من الصعب حسابه. كان خامنئي يعتقد أنه سيحصل على الثمن من دماء الشعب الفلسطيني المظلوم، وبإبعاد نظامه عن نيران تلك الحرب، وبعد فترة (التي كانت في نظره لن تكون طويلة) سينتهي كل شيء وسيكون هو المنتصر. لكنّه وقع في مستنقع الحرب، وكل خطوة كان يخطوها كانت تغرقه أكثر.
مع ذلك، لم يكن بإمكانه تجنب ارتكاب هذا الخطأ. كان هذا حصيلة استنتاجه من انتفاضة الشعب الإيراني في عام 2022. كان يريد أن يجد مخرجًا من الانتفاضة من خلال إشعال الحرب. خطأه الكبير هنا هو أنه جرّ نظامًا محاصرًا بالانتفاضات والانهيار، ليس له أي أساس أو بنية قوية، إلى الحرب. ونتيجة لهذا الخطأ الكبير حتى اليوم هو تدمير أهم ركائز ولاية الفقيه في المنطقة.
في خضم التحولات الأخيرة خلال الأشهر الماضية، أظهر خامنئي عجزه وضعفه في قيادة نظامه في وسط أزمة عميقة. بعد موت خميني وبدء حكم خامنئي، نشأت ظروف سياسية ودولية خاصة حصل من خلالها على العديد من الفرص والمكاسب دون أن يدفع ثمنًا أو يواجه تحديًا كبيرًا. بمعنى آخر، كانت فترة حكمه مرتبطة دائمًا بالاستفادة من الفرص دون مواجهة صراع أساسي. وفي العام الماضي، عندما واجه لأول مرة أزمة شاملة، كان يتراجع في اللحظات الحاسمة. لم يتخذ خطوة للحفاظ على قيادة جماعة حزب الله التابعة له، ولم يتمكن من احتواء انهيار قوته في سوريا، وعجز عن الحفاظ على الدكتاتور الدموي في دمشق.
نتائج حادثة كبرى
هذه التحول جعل مطلب الإطاحة بالنظام، إمكانية الإطاحة به، وواقعية الإطاحة به أمرًا واضحًا للشعب. نظام قتل 500 ألف شخص، كان يحكم من خلال سجن صيدنايا الرهيب، وكانت قوات الحرس التابعة لخامنئي، القوة الداعمة الرئيسية له، ولديه دعم من قوة عظمى، يمكن الإطاحة به، وقد حدث ذلك. الشاه، في الوقت الذي كان يحظى بدعم كامل من الغرب، هُزم أمام إرادة الشعب الإيراني. ولا مصير لخامنئي غير هذا.
هذه ضربة كبيرة للمروجين والمقربين من النظام، ولمن يرغبون في استمرار الوضع القائم. مهنتهم المخزية هي تقديم تبريرات لا أساس لها ضد النضال والانتفاضة. كانوا يعتبرون الإطاحة غير ممكنة أو يقدمونها كهدف بعيد المنال. اليوم، جهودهم النظرية والإعلامية والإيديولوجية قد فشلت. الإطاحة بأي ديكتاتورية تحمل دروسًا نادرة: درس لجميع الشعوب المظلومة بأن “الإطاحة ممكنة” ودعوة لهم للانتفاض.
لقد انهار جيش بشار الأسد وحرس النظام الإيراني الداعم له في مواجهة هجوم مسلح منظم، وهذه الحادثة أظهرت أهمية ومكانة وحدات الانتفاضة في الساحة السياسية والنضالية الإيرانية.
بالنسبة لأولئك الذين كانوا يصفون مقاومة الشعب الإيراني المشروعة والقوات الثورية التي لا تعرف الاستسلام بالعنف، حان وقت الخجل اليوم؛ إذا كانوا قد احتفظوا بمشاعرهم الإنسانية ولم يصبحوا غرباء عن ألم المجتمع المظلوم.
الذين لا يرغبون في الإطاحة، ولا يشعرون بمرارة الإطاحة، بل يريدون استمرار الوضع القائم ـ مع بعض التعديلات والإصلاحات ـ لا يملكون آذانًا للاستماع إلى كلمات التغيير، ولا قلوبًا لفهم مشاعر الشعب.
المشكلة ليست في الطريقة أو الاستراتيجية. إنها معركة حول الإطاحة أو عدم الإطاحة. إنها معركة سياسية وطبقية.
الحل هو في الكتل الثورية. القوة المنتصرة في الساحة الإيرانية هي الكتل الثورية التي تمثل جيش التحرير.
لكي تتم الإطاحة، يجب تحطيم قوات الحرس الثوري، وهذا يتطلب انتفاضة منظمة وجيش تحرير.
[1] – موقع خامنئي، 11 ديسمبر 2024
[2] – في سوريا، هناك ثلاثة ممرات رئيسية ومركزية لنقل الأسلحة إلى حزب الله: البوكمال، حلب ودمشق.
[3] – وكالة تسنيم للأنباء، 11 ديسمبر 2024
[4] – رويترز 12 ديسمبر 2024
[5] – محمد جعفر أسدي، معاون التفتيش في مقر خاتم الأنبياء، موقع انتخاب، 24 ديسمبر 2024
[6] – خامنئي: “جهازنا الاستخباراتي كان قد نقل تقارير تحذيرية للمسؤولين في سوريا منذ عدة أشهر. لا أعلم إذا كانت هذه التقارير وصلت إلى المسؤولين الأعلى أم لا، فقد ضاعت في منتصف الطريق. لكن مسؤولو استخباراتنا كانوا قد أبلغوا من سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، وكانوا يرسلون تقارير باستمرار”، موقع خامنئي، 11 ديسمبر 2024
عباس عراقجي، وزير خارجية النظام: “من الناحية الميدانية والاستخباراتية، أصدقاؤنا في أجهزة الاستخبارات والأمن في بلادنا وفي سوريا كانوا على اطلاع كامل بالتحركات التي كانت تجري في إدلب والمناطق المحيطة، وتم نقل جميع المعلومات المتعلقة إلى الحكومة السورية والجيش السوري… مع الصور والتفاصيل والأعداد وكل شيء تم نقله إلى الحكومة السورية”، تلفزيون النظام، شبكة الأخبار، 8 ديسمبر 2024
[7] – Burc Eruygur 19يسمبر 2024
[8] – موقع خامنئي، 11 ديسمبر 2024: “بعد أن تم إخماد فتنة داعش، عاد بعض الجنود، بينما بقي البعض الآخر هناك.”
[9] – موقع جماران 20 ديسمبر 2024
[10] – وول ستريت جورنال 26 ديسمبر 2023
[11] – وكالة فارس للأنباء 7 ديسمبر 2024
[12] – محمد منان رييسي، عضو مجلس شورى النظام، خبر أونلاين، 9 ديسمبر 2024
[13] – وكالة الأناضول، 27 ديسمبر 2024
[14] – ـ تانكر تراكرز ـ 8 ديسمبر 2024، https://onlylinks.cc/bijM
[15] – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومعهد الشرق الأوسط، راديو فردا، 16 ديسمبر 2024
[16] – قانون الميزانية العامة لعام 2024، https://shenasname.ir/?p=59967
[17] – في ديسمبر 2015، كشفت لجنة الأمن ومكافحة الإرهاب في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أسماء 16 عميدًا من حرس النظام الإيراني الذين قتلوا في سوريا. من أبرزهم حسين همداني، نائب قوات القدس. لو كان حيًا، لما اضطر خامنئي لاستقدام قاآني.
[18] – موقع حريم حرم، 7 نوفمبر 2016
[19] – محمد خاتمي، رئيس جمهورية النظام الأسبق، موقع جماران، 24 ديسمبر 2024