ایلاف – مهدي عقبائي:
مواطن يمشي على أنقاض مبنى في بلدة دورس في بعلبك، إحدى المعاقل الرئيسية لحزب الله في شرق لبنان
في يوم السبت، 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، ألقى مرشد الملالي علي خامنئي خطابًا عدائيًّا، مجددًا عزمه على الاستمرار في التحديات والتهديدات تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، غير مبالٍ بأحوال الشعب الإيراني الذي يعيش في ظل الفقر والمعاناة. فبينما تجاوز عدد القتلى في غزة ولبنان أكثر من 43 ألف شخص وبلغ عدد النازحين أكثر من مليون، يستمر خامنئي في دعواته للمواجهة قائلاً: “إنَّ مواجهة الشعب الإيراني للاستكبار الأميركي مواجهةٌ إسلامية ووطنية وإنسانية، ويجب أن تستمرّ بخريطة طريقٍ بلا تهاون، وستلقى أميركا والكيان الصهيوني ردًّا قاصمًا”.
تصدير الأزمات للتغطية على أزمات النظام
تعود سياسة النظام الإيراني في تصدير الأزمات إلى عام 2022، عندما كانت إيران على شفا انتفاضة شعبية ضخمة تهدد بقاء النظام، فقامت السلطات الإيرانية بدفع المنطقة نحو الحروب كوسيلة لتفادي هذا المصير المحتوم. وبهذا الأسلوب، يبدو أنَّ خامنئي يسير على خطى المرشد السابق، الخميني، الذي أصرّ على استمرار حربه ضد العراق في الثمانينيات، ما أدّى إلى سقوط مليون قتيل وتدمير الاقتصاد الإيراني.
ولكنَّ التبعات الإنسانية لحروب النظام الإيراني ليست محدودة فقط بإيران، بل طالت أيضًا العراق، سوريا، اليمن، ولبنان، حيث ساهمت طهران في تأجيج الصراعات، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين. ورغم ما تسببت به هذه السياسات من دمار، يستمر خامنئي في استراتيجياته التوسعية، متغافلاً عن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة داخل بلاده.
دور إيران في زعزعة استقرار المنطقة
اليوم، وبعد مرور عام على تصاعد النزاعات في غزة، تؤكد التصريحات الدولية أن إيران هي المحرّك الرئيسي لهذه التوترات. وكما أوضحت وزيرة الخارجية الألمانية، فإن “إيران تقف خلف الهجمات”، في حين وصف نواب في البرلمان الألماني النظام الإيراني بأنه “أكبر مهدّد للسلام في الشرق الأوسط”.
فلو لم تكن هناك سياسات الحرب التي يختارها النظام الإيراني، لكان بالإمكان تجنب العديد من الصراعات والأزمات التي تعصف بالمنطقة. إذ أن إيران، من خلال دعمها الميليشيات المسلحة وتدخلها السافر في شؤون الدول الأخرى، تسببت في نشر العنف وعدم الاستقرار، مما جعلها عائقًا أمام تحقيق أي استقرار حقيقي في المنطقة والعالم أجمع.
حاجة المجتمع الدولي لموقف حازم
أمام هذا الواقع، يظهر السؤال الملح حول كيفية التعامل مع النظام الإيراني. فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى منذ عقود سياسة المساومة والتسامح مع النظام الإيراني، متغافلين عن انتهاكاته لحقوق الإنسان. إلا أن هذه السياسة لم تؤدِّ إلا إلى تشجيع النظام الإيراني على مواصلة برامجه النووية والعدوانية.
فالمرشد الملالي، من خلال قمعه العنيف للمعارضة، بات يُشكّل تهديدًا عالميًّا، خصوصًا بعد أن سعى لتحويل أوروبا إلى ساحة لنشاطاته الإرهابية. وبين حزيران (يونيو) 2018 وحزيران (يونيو) 2024، قامت إيران بشن 11 هجومًا في أوروبا، بجانب الإعدامات غير المسبوقة في الداخل، مما يبرز مدى الخطورة التي يُشكّلها النظام على الأمن الدولي.
ومع ازدياد الوعي العالمي بهذه المخاطر، بدأت بعض الأصوات تنادي بضرورة إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران. كما دعا رئيس وزراء ولاية هيسن الألمانية إلى إغلاق القنصليات الإيرانية في ألمانيا، في خطوة تأخرت لكنها ضرورية لحماية أمن أوروبا.
البديل الديمقراطي ومستقبل السلام في المنطقة
في خضمّ هذه الفوضى، يظهر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بصفته بديلاً ديمقراطيًا يسعى لتحرير إيران من نظام ولاية الفقيه. ويُعدّ هذا المجلس جبهة جامعة تضمّ قوىً سياسية ودينية متنوعة، يجمعها رفض الدكتاتورية بشتى أشكالها. وتُشكل مقاومة إيران، التي تسعى لتأسيس جمهورية تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة، أملًا جديدًا لشعب إيران وجيرانه في المنطقة.
وتهدف هذه المقاومة إلى بناء دولة تقوم على المساواة بين الجنسين، واحترام حقوق الأقليات، وترسيخ قيم السلام والتعايش، والقضاء على الاضطهاد المزدوج للأعراق والقوميات الإيرانية، كما تسعى إلى بناء إيران خالية من السلاح النووي، وداعمة للسلام الإقليمي والدولي. وتحظى هذه المبادئ بدعم شعبي واسع داخل إيران وخارجها، حيث يُمثّل المجلس الوطني للمقاومة صوت الشعب الإيراني في نضاله ضد النظام.
دمار الحرب وعواقب الاستمرار في سياسة المواجهة
لم يكن النظام الإيراني في أي وقت من الأوقات أضعف مما هو عليه اليوم. ومع تزايد الأزمات الداخلية والخارجية، يجد خامنئي نفسه محاصرًا بين رغبة الشعب الإيراني في الحرية وضغوط المجتمع الدولي الذي يضيق ذرعًا بسياساته العدوانية.
وقد ارتفعت مؤخرًا نسبة الإعدامات في إيران، حيث أعدم النظام أكثر من 150 شخصًا في شهر واحد، في محاولة لترهيب الشعب ومنع اندلاع انتفاضة جديدة. ومع ذلك، فإن الشعب الإيراني لم يعد يخشى بطش النظام، وهو على استعداد لمواصلة الكفاح من أجل الحرية.
جدير بالذكر أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك أدانت إعدام المواطن الإيراني-الألماني على يد السلطات الإيرانية. وأكدت أن “وقوع هذه الجريمة بالتزامن مع التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط يُظهر أن ديكتاتورية قمعية مثل نظام الملالي لا تتصرف وفق المنطق الدبلوماسي المعتاد”. وأشارت إلى أن هذا الإعدام يبرز مرة أخرى وحشية النظام القمعي في إيران. كما أعلنت أن وزارتها أمرت بإغلاق ثلاثة قنصليات إيرانية في ألمانيا، مؤكدة التزام ألمانيا بمحاسبة النظام الإيراني على انتهاكاته لحقوق الإنسان، في خطوة تعكس تزايد القلق الأوروبي من سياسات النظام القائمة على العنف والقمع.
وختامًا، فإن دعم المقاومة الإيرانية بات ضرورة لكل من يسعى إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وإنهاء الحكم الديكتاتوري في إيران. فالاعتراف الدولي بحق الشعب الإيراني في المقاومة ورفض الطغيان هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الإيرانية وضمان مستقبل سلمي للمنطقة.