موقع المجلس:
بعد ما كشف أحد أعضاء البرلمان النظام عن وفاة 70 مريض غسيل كلى في مدن مختلفة، بسبب تلوث محلول الدواء المستخدم لهم، تواصلت ردود الفعل حول هذه الکارثة داخل إيران.
کما أثار هذا الحادث موجة من الغضب العام، وأسئلة حول مدى الرقابة والالتزام بمعايير الجودة في النظام الصحي الإيراني.
وفي أحدث المستجدات، أكد حيدر محمدي، رئيس هيئة الغذاء والدواء الإيرانية، يوم الأحد 3 نوفمبر، أن دواء غسيل الكلى الذي تنتجه شركة «ثامن» للصناعات الدوائية قد ثبت أن له “آثاراً جانبية ضارة”. وفي بيان لاحق، أعربت دائرة العلاقات العامة بالهيئة عن قلقها من “تشويه الثقة العامة”، مشيرة إلى أن “رغم أن شركة واحدة محلية فقط هي المسؤولة عن إنتاج هذا الدواء الحساس، فإن هذا لا يعني التغاضي عن الجودة أو المعايير”.
شركة «ثامن» للصناعات الدوائية، التابعة لمؤسسة «آستان قدس رضوي»، هي الشركة الوحيدة في إيران التي تنتج محلول غسيل الكلى البريتوني. وأوضح محمدي أن التحقيقات أظهرت أنه منذ يناير 2024، احتوت دفعتان من منتجات الشركة على مستويات مرتفعة من الشوائب، مما تسبب في ارتفاع تركيز الألمنيوم في محاليل غسيل الكلى البريتوني. هذه النتائج تؤكد الشكوك السابقة بأن الشوائب في المحاليل كانت السبب وراء الآثار الضارة التي ظهرت على المرضى.
وقد أعلن عن هذه الحادثة لأول مرة سلمان إسحاقي، المتحدث باسم لجنة الصحة والعلاج في البرلمان، الذي صرح يوم الأحد أن المشكلة بدأت بوفاة نحو 10 مرضى غسيل كلى في مدينتي مشهد وأصفهان. وأوضح إسحاقي: “بعد مرور فترة، ارتفع عدد الوفيات إلى 50، وحتى الآن، توفي 70 مريضاً.” وأضاف أنه رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على التحقيق في هذا الموضوع داخل لجنة الصحة، لم تتخذ الجهات القضائية حتى الآن إجراءات صارمة ضد الشركة، وأكد قائلاً: “تم السماح لنفس الشركة بمواصلة الإنتاج رغم المخاوف الجادة التي تم طرحها”.
وقد أبرزت وسائل الإعلام الإيرانية، بما في ذلك صحيفة «هممیهن»، الدور المركزي لشركة «ثامن» في إنتاج محاليل غسيل الكلى، سواء البريتوني أو الدموي، على مستوى إيران. وارتفعت الانتقادات نظراً لأن الشركة تابعة لمؤسسة «آستان قدس رضوي»، وهي واحدة من أكبر الشركات التابعة للوليالفقیة علي خامنئي، والتي تواجه اتهامات بالفساد وإعفاءات ضريبية، وفقاً لمصادر مسربة في السنوات الأخيرة. وتعتبر «آستان قدس» واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية في إيران، حيث تستثمر في عدة قطاعات، وقد واجهت اتهامات بممارسات مالية مشبوهة على حساب مصلحة المواطنين.
هذه الحادثة المؤلمة تستدعي للذاكرة وقائع سابقة في إيران، حيث تعرضت صحة المواطنين للخطر نتيجة تضارب المصالح السياسية والاقتصادية. خلال جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال، منعت الحكومة الإيرانية استيراد اللقاحات الأجنبية بتوجيه من خامنئي، ووجهت موارد مالية كبيرة إلى شركات محلية مرتبطة بمؤسسات حكومية، مما ساهم في محدودية حصول المواطنين على اللقاحات الفعالة وأدى إلى وفاة ما يزيد عن نصف مليون شخص في إيران.
وتحولت قضية المحاليل الملوثة لغسيل الكلى إلى دليل صارخ على تفضيل الحكومة الإيرانية لجني الأرباح حتى لو كان ذلك على حساب أرواح المواطنين، مما عمّق الشكوك حول جدية النظام في حماية صحة الشعب. إذ يرى مراقبون أن هذه الحادثة لم تكن حادثة عابرة بل هي امتداد لنهج متواصل من الإهمال والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة، حيث يتم السماح لشركات متنفذة تابعة لمؤسسات مقربة من دوائر السلطة بالاستمرار في الإنتاج، رغم مخالفاتها الصارخة لمعايير السلامة.
وقد أدى تجاهل الجهات القضائية لتوقيف هذه الشركات المتورطة إلى زيادة الغضب الشعبي الذي بات يطالب بمحاسبة جدية للمتورطين، بدلاً من الاكتفاء بوعود فارغة وتبريرات واهية. ويرى الكثيرون أن الإصلاحات الجذرية باتت ضرورة قصوى، حيث إن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى كوارث صحية أكبر، ويفتح المجال لمزيد من الفساد المستشري في قطاع الصحة الذي يفترض أن يكون ملاذًا لحماية أرواح الناس، لا وسيلة لجني الأموال لصالح نخبة متنفذة فوق المساءلة.