موقع المجلس:
في كلمة ألقاها في مؤتمر عقد في برلين بتاريخ 26 أكتوبر 2023، قدم الدكتور أليخو فيدال كوادراس، نائب رئيس البرلمان الأوروبي الأسبق، انتقاداً شديداً للسياسة الأوروبية تجاه النظام الإيراني، واصفاً إياها بأنها «سياسة فاشلة» تتطلب تغييراً جذرياً. وقد سلط فيدال كوادراس الضوء على دور إيران في دعم الإرهاب الدولي وزعزعة استقرار المنطقة، داعياً إلى اتخاذ خطوات تتضمن العزلة الدبلوماسية، العقوبات الاقتصادية، والدعم السياسي للمعارضة الإيرانية المتمثلة في «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية».
وانتقد الدكتور فيدال كوادراس بحدة نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع إيران، مشيراً إلى أن سياسة التواصل والتفاوض لم تفشل فحسب، بل شجعت النظام الإيراني على اتخاذ مواقف أكثر عدائية. ولفت إلى أن التنازلات الأوروبية، بما فيها الاتفاق النووي وتحرير الأصول الإيرانية المجمدة، لم تنجح في تحقيق تغييرات إيجابية في سلوك النظام. ووفقًا لفيدال كوادراس، فإن «التنازلات المتكررة التي قدمتها الديمقراطيات الغربية للملالي… لم تؤتِ ثمارها»، إذ أن هذه التنازلات لم تؤد إلا إلى تشجيع النظام على زيادة عدوانيته.
وأكد فيدال كوادراس أن الاتحاد الأوروبي قد تعامل مع النظام الإيراني كطرف يمكن التفاوض معه، بدلاً من اعتباره تهديدًا حقيقياً، وهو ما يعكس سوء تقدير لطبيعة النظام الحاكم في إيران. من وجهة نظره، هذا النظام يمثل «دولة متطرفة، فاسدة، وإرهابية»، تسيطر عليها أيديولوجية متصلبة تمنع أي تطور من الداخل. وأوضح أن التمييز بين «المعتدلين» و«المتشددين» في النظام الإيراني مجرد «وهم»، حيث يخضع الجميع لسلطة القائد الأعلى، ويعملون جميعاً على تحقيق الأهداف الإيرانية بوسائل العنف والابتزاز.
وتأكيداً على مصداقيته، روى الدكتور فيدال كوادراس تجربته الشخصية مع العنف المدعوم من الدولة الإيرانية، موضحاً محاولة اغتياله في 9 نوفمبر 2023، عندما حاول مسلح، يعمل لصالح النظام الإيراني، إطلاق النار عليه في مدريد. وأصابت الرصاصة فكه بدلاً من عنقه، مما أنقذ حياته. وأشار إلى أن هذه الواقعة ليست سوى جزء من سلسلة هجمات ترعاها إيران، تستهدف المعارضين في جميع أنحاء العالم. وذكر أن النظام الإيراني قد «نفذ عمليات اغتيال وخطف وتفجيرات في خمس قارات»، مع وقوع العديد من هذه الحوادث على الأراضي الأوروبية.
وأكد فيدال كوادراس أن هذه الهجمات تمثل نمطاً واضحاً يعكس الأساليب العنيفة للنظام الإيراني لإسكات المعارضة وإخافة الحكومات الأجنبية، مما يبرز التهديد الذي يشكله النظام وضرورة تبني أوروبا لسياسة أكثر صرامة في مواجهته.
إطار استراتيجي جديد لأوروبا
اقترح فيدال كوادراس إطاراً لسياسة أوروبية جديدة تجاه إيران، مشيراً إلى خمسة عناصر أساسية تهدف إلى عزل النظام ودعم المعارضة الإيرانية، وخاصة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. ووفقًا لفيدال كوادراس، فإن هذا التحول ضروري لتشجيع التحول الديمقراطي في إيران وتخفيف معاناة الشعب الإيراني. تشمل استراتيجيته المقترحة الإجراءات التالية:
1. العزلة الدولية: دعا فيدال كوادراس إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق جميع السفارات الأوروبية في طهران، وطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من أراضي الاتحاد الأوروبي. وبرر ذلك بأن السفارات الإيرانية تعمل كمراكز للتجسس والإرهاب، وبالتالي فإن إبعادها من الأراضي الأوروبية خطوة ضرورية للحد من نفوذ إيران الخفي.
2. تصنيف الحرس الایراني كمنظمة إرهابية: حث فيدال كوادراس الاتحاد الأوروبي على تصنيف الحرس الإيراني كمنظمة إرهابية، مشيراً إلى أن هذا التصنيف يتماشى مع الإجراءات التي اتخذتها كل من الولايات المتحدة وكندا. واعتبر أن هذا التصنيف سيساهم في تقليص نفوذ الحرس في الشرق الأوسط ويعوق دعمه للجماعات المتطرفة مثل حماس وحزب الله.
3. العقوبات الاقتصادية وخنق الموارد المالية: من الركائز الأساسية الأخرى لاستراتيجية فيدال كوادراس تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران. ودعا إلى توسيع نطاق العقوبات المالية لتقويض قدرة النظام على تمويل القمع الداخلي والأنشطة الخارجية. وأكد أن فرض المزيد من القيود المالية على إيران سيضعف النظام الحاكم ويحد من إمكانياته.
4. الدعوة لحقوق الإنسان دولياً: سلط فيدال كوادراس الضوء على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في إيران، داعياً إلى مزيد من الضغوط الدولية على النظام الإيراني. وأوصى بأن يكون للاتحاد الأوروبي دور فعال في المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة ضد النساء والأقليات. وذكر تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة، جاويد رحمان، الذي يتهم القيادة الإيرانية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كدليل على أهمية محاسبة النظام.
5. الدعم السياسي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: أكد فيدال كوادراس أهمية تقديم الدعم للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية باعتباره البديل الوحيد الشرعي والمنظم للنظام الحاكم في إيران. ورأى أن للمجلس القدرة على توجيه إيران نحو مستقبل ديمقراطي، ودعا أوروبا إلى دعم هذا المجلس سياسياً للمساهمة في تهيئة الظروف لانتقال سلمي في إيران.
وأدرك فيدال كوادراس الانتقادات المحتملة لاستراتيجيته، خاصة بشأن تأثير العقوبات على الشعب الإيراني ومخاطر التصعيد. لكنه رفض هذه المخاوف، مشدداً على أن النظام الحالي يسبب معاناة أكبر للشعب الإيراني من أي عقوبات مفروضة. وأضاف أن الخوف من رد فعل إيراني لا يجب أن يمنع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف حازم ضد النظام القمعي. وأكد فيدال كوادراس أن على أوروبا أن تعي أن «ما هو فعال من الناحية المادية في نهاية المطاف هو ما يتوافق مع المبادئ الأخلاقية».
واختتم فيدال كوادراس كلمته بدعوة قادة أوروبا لاستخلاص الدروس من التاريخ، خاصة من تجارب أوروبا مع الأنظمة الاستبدادية في القرن العشرين. وأشار إلى أن الفشل في مواجهة النظام الإيراني بفعالية قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار داخل إيران وعلى المستوى الدولي. وقال: «فلنتعلم بتواضع من دروس التاريخ»، مؤكداً أن تبني موقف أوروبي حازم أمر ضروري لتفادي ندم مستقبلي.
وفي المجمل، قدم الدكتور فيدال كوادراس حجة قوية من أجل تغيير جذري في النهج الأوروبي تجاه إيران، مشيراً إلى أن استراتيجيته تعكس ضرورة الوضوح الأخلاقي والحزم في مواجهة تهديدات النظام الإيراني.