ايلاف – موسى أفشار:
الاختراق في الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني، وخاصة في قوات الحرس التابعة للملالي المسماة بـ “الحرس الثوري”، يعتبر من القضايا المثيرة التي تُناقش على نطاق واسع بين الفصائل والعصابات المتنافسة داخل النظام. تم تسليط الضوء على بعض جوانب هذا الموضوع في وسائل الإعلام المرتبطة بهذه الفصائل. ملف الاختراق في الأجهزة الأمنية للنظام، وخاصة الحرس الثوري وعلى أعلى المستويات، ليس جديداً. ففي عام 1997، اختفى العميد عليرضا عسگري في تركيا. ادعى النظام أنَّ الموساد اختطفه، ثم قال لاحقاً إنه انتحر في سجن إسرائيلي، لكن فيما بعد أفادت مجلة “نيوزويك” بأنه يعيش بهوية جديدة في الولايات المتحدة.
من الأمثلة الأخرى هو عليرضا أكبري، نائب علي شمخاني في وزارة الدفاع، الذي تم اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا وأُعدم من قبل النظام. أحد أكبر الأزمات المتعلقة بالاختراق التي حاول النظام التستر عليها كانت اعتقال أكثر من 200 من كبار قادة الحرس الثوري في عام 2019 خلال فترة حكم الرئيس حسن روحاني. تصاعدت الأزمة إلى درجة أن المرشد علي خامنئي اضطر إلى إقالة حسين طائب، الذي كان رئيساً لجهاز استخبارات الحرس الثوري وكان يبدو أنه يتمتع بسلطة كبيرة، لكنه تم تهميشه بعد ذلك.
وفي الفترة الأخيرة، تصاعد النقاش حول مسألة الاختراق في النظام مرة أخرى بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، مما أدى إلى تفجر صراع بين الفصائل المتنافسة على النهب والفساد داخل النظام. وبالرغم من محاولات خامنئي والحرس الثوري احتواء الأزمة، إلا أنها لا تزال مستمرة.
قال المدعو أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، فيما يتعلق بانفجار أجهزة الـ’بيجر’ بحزب الله: “بالتأكيد إسرائيل اخترقت الهرم القيادي لحزب الله في لبنان، فهي على دراية باجتماعات القادة وتستطيع زرع متفجرات في الآلاف من أجهزة الـ’بيجر’. إيران بالتأكيد تدخلت في شراء هذه الأجهزة لأن أحد هذه الأجهزة كان بحوزة سفير إيران في لبنان”.
وأضاف الشخص نفسه: “أنا أخالف وزير الاستخبارات في تصريحه بأنه لا يوجد اختراق في قضية اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، لأنه من غير المعقول أن يتم كشف مكان إقامته بالضبط وموعد تواجده دون وجود اختراق”.
ذكرت وكالة “رويترز” بعد مقتل حسن نصر الله، نقلاً عن مصدر بارز في النظام، أن عدة اجتماعات رفيعة المستوى عقدت في طهران بعد انفجار أجهزة الـ”بيجر” والأجهزة اللاسلكية لحزب الله في 17 و18 أيلول (سبتمبر) 2024، لمناقشة أمن حزب الله ونصر الله. وأشارت التقارير إلى أن خامنئي، بناءً على معلومات استخباراتية تشير إلى أن إسرائيل لديها عملاء داخل حزب الله، أرسل رسالة عبر عباس نیلفروشان، قائد الحرس الثوري في لبنان، طالباً من نصر الله القدوم إلى إيران.
أضافت “رويترز” أن مقتل نصر الله أثار رعباً بين المسؤولين الكبار في النظام الإيراني، مما دفعهم إلى إجراء تحقيقات واسعة حول الاختراقات المحتملة داخل الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية العليا. تركزت التحقيقات على الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج أو الذين لديهم أقارب يعيشون في الخارج. وأصبح النظام مشتبهاً في بعض أعضاء الحرس الثوري الذين كانوا يسافرون إلى لبنان.
بعد شهر من انفجار أجهزة الـ”بيجر”، تصاعدت فضيحة الاختراق إلى حد أن قناة “شبكة خبر” التابعة للنظام ذكرت أن أجهزة الـ”بيجر” الخاصة بحزب الله تم توريدها من قبل شركة إيرانية. وفي الآونة الأخيرة، صرح فيروز آبادي، المسؤول السابق عن الفضاء السيبراني في النظام، قائلاً: “ما حدث ليس بسبب تكنولوجيا معقدة بل بسبب الاختراق”.
قبل فترة قصيرة، قال أحمدي نجاد (الرئيس الأسبق للملالي) في مقابلة: “أنشأت الأجهزة الاستخباراتية في إيران وحدة لمكافحة اختراق إسرائيل، لكن لاحقاً تبين أن رئيس هذه الوحدة نفسه كان جاسوساً لإسرائيل، وأعضاؤه كانوا هم من سرقوا وثائق البرنامج النووي ونقلوها إلى خارج البلاد”.
حتى رفيق دوست، وزير الحرس الثوري السابق، اعترف قبل أسبوع بأن انفجار أجهزة الـ”بيجر” كان نتيجة اختراق العدو داخل حزب الله. وأضاف: “يجب أن يكون مسؤولونا حذرين… ما حدث في انفجار أجهزة الـ’بيجر’ كان نتيجة لخطأ ارتكبه بعض الأفراد في حزب الله اللبناني. نأمل ألا يحدث ذلك في إيران”.
في طاولة نقاش حول أهمية مكافحة الاختراق، قال مصطفى كواکبیان، أحد الشخصيات الإصلاحية: “في جلسة حضرها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي مع وسائل الإعلام، ناقشت قضية اغتيال إسماعيل هنية. لماذا تم اغتياله بهذه السهولة؟ كان ضيفاً عندنا… تفسير أمين المجلس الأعلى كان أننا لم نتوقع أن يخططوا لمثل هذا الهجوم على شخصية دولية. لكن من المدهش أنهم نسقوا الأمر بحيث تم استهدافه فقط رغم وجود آخرين من القيادات الفلسطينية في نفس المكان. هذا يشير إلى وجود اختراق في أجهزتنا. يجب أن تكون الأجهزة الأمنية أكثر دقة وتأخذ قضية الاختراق بجدية أكبر. فالضربات التي تلقيناها من الاختراق ليست فقط حادثة اغتيال هنية، بل حتى في حادثة مدينة آبسرد تم التنسيق بحيث لم تصب زوجة الشهيد فخري زاده بأذٍ أثناء تنفيذ العملية”.
هناك العديد من الأمثلة على هذا النوع من الاختراقات. اليوم، لا أحد يشك في أن قضية الاختراق داخل النظام، وخاصة داخل الحرس الثوري، أمر خطير جداً. هذا ليس مجرد قضية أمنية عادية. صحيح أن التجسس موجود في جميع أنحاء العالم، وحتى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (السابق) تجسست على بعضها البعض، لكن في حالة الحرس الثوري، نحن لا نتحدث عن شخص أو شخصين، بل عن العديد من الأشخاص في أعلى المستويات.
الرسالة الأولى من هذا الوضع هي أن الحرس الثوري ليس بالقوة التي يُعتقد أنها لديه. بالنسبة للشعب الإيراني، هذه القضية مهمة لأننا نعلم أنه لتحقيق التغيير في النظام، يجب في النهاية تدمير الحرس الثوري. من ناحية أخرى، هذا الحجم من الاختراق لا يترك أي ثقة داخل النظام. فنحن نواجه نظاماً لا يمتلك أدنى قدر من الأمن الداخلي. والسبب في هذا الحجم من الاختراق داخل الحرس الثوري يعود إلى الفساد المالي والقضايا الأخلاقية. معظم هؤلاء الأفراد يسقطون في الفخ – أي المصائد المنصوبة لهم في شتى مجالات الفساد – أثناء رحلاتهم الخارجية، ثم يتحولون إلى عملاء للاختراق.