موقع المجلس:
مع تصاعد وتیرت النهب و الفساد في نظام الملالي من رأسه الی ذیلة، من الواضح عدم اکتراث الحکومة بالازمة الاقتصادیة تعد احد العوامل الریئسة لتدهور مستوی معیشة اغلبیة المواطنین في ایران.
کما تعد إيران مثالاً واضحاً على كيفية تأثير أولويات الحكومة على حياة المواطنين. حيث يواصل النظام الإيراني دفع أجندة عسكرية خارجية وقمع داخلي بغرض صرف الأنظار عن الأزمات الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها الشعب. فدعاية النظام تركز بشكل كبير على شيطنة القوى المعارضة، كما يظهر في المحاكمات الاستعراضية ضدمنظمة مجاهدي خلق. وهذا يسعى إلى حجب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الملحّة في البلاد، والتي غالباً ما يُنظر إليها كأضرار جانبية في سعي النظام للحفاظ على سلطته.
ولكن، في المقابل، يعكس رد فعل المجتمع الإيراني تضاداً واضحاً مع دعاية النظام. فبدلاً من الاصطفاف وراء أجندة النظام، عبّر الإيرانيون عن مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية متزايدة، يحاول النظام التخفيف من حدتها أو تجاهلها. إلا أن القضايا الأساسية التي تدفع هذه المطالب تستمر في التصاعد، ما يدل على أزمات متجذرة لا يستطيع النظام، ولا يرغب، في حلها. ويعود السبب الجوهري إلى أن النظام يعطي الأولوية لبقائه على حساب رفاهية الشعب.
عند تقييم الفروقات في مستويات المعيشة بين الدول، ينبغي النظر إلى مدى توافقها مع المعايير العالمية والعوامل الأساسية التي تقود هذه الاختلافات. إن مستويات المعيشة في أي بلد تتأثر بشكل كبير بسياسات الحكومة، لاسيما في الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية، حيث تصبح جميع جوانب الحياة مرهونة بالأجندات السياسية للسلطة الحاكمة. وتبرز هذه الحقيقة بشكل جليّ خلال فترات الحروب التي تدمر حياة الناس، وهي حروب ذات طابع سياسي، من البداية إلى النهاية، وتديرها دوافع حكومية.
لقد دفعت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إيران قطاعات كبيرة من الشعب إلى البحث عن ملاذ آمن خارج البلاد. وتكشف التقارير أن الهجرة أصبحت «وباءً»، حيث يغادر الإيرانيون، الذين خاب أملهم من الوضع السياسي والاقتصادي، البلاد بأعداد هائلة. ووفقاً لما ذكره موقع «عصر إيران» في 16 يناير 2024، «غادر حوالي 500,000 إيراني البلاد بشكل دائم بين عامي 2010 و2020». كما أفادت «فايننشال تايمز» في ديسمبر 2023 أن «إيران شهدت زيادة بنسبة 141% في معدل الهجرة بين عامي 2020 و2021، مما يمثل أسرع معدل نمو في العالم». وقد اتسع هذا التوجه الذي كان مرتبطاً سابقاً بهجرة العقول إلى مختلف فئات الإيرانيين الباحثين عن الاستقرار والفرص خارج البلاد.
وقد كانت التحديات الاقتصادية قاسية بشكل خاص على الشباب الإيراني. فالفقر الممنهج ومعدلات البطالة المرتفعة تواصل تضييق الخناق على البلاد، متسببة بأثر مضاعف على الخريجين الجامعيين. فقد ذكرت صحيفة ابتكار الحکومیة في 10 أكتوبر 2024 أن «الخريجين الشباب يشكلون 44% من العاطلين عن العمل في إيران»، مما يبرز عمق الأزمة الاقتصادية. وأوضح موقع إيكو إيران في 26 أكتوبر 2024 أن «أكثر من 25 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر»، ما يسلط الضوء على اتساع وعمق أزمة الفقر في إيران.
وإلى جانب التحديات الاقتصادية، تواجه البنية الاجتماعية في إيران تحديات كبيرة، مع وجود أعداد هائلة من الأطفال الذين يخرجون من التعليم أو يجبرون على العمل. ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية في 24 أكتوبر 2024، «هناك حوالي مليوني طفل لم يسجلوا في المدارس»، مما يعكس نقص الفرص التعليمية الأساسية. كما أوردت وكالة مهر في 13 يونيو 2024 أن «حوالي 3.2 مليون طفل قد تركوا مقاعد الدراسة»، ويُقدر «عدد أطفال العمال في إيران بين 1.6 مليون و2.1 مليون». وتفاقم هذه الأزمة الاجتماعية، إذ تؤثر على كل من الأجيال الحالية والمستقبلية في البلاد.
ولقد زادت جهود النظام الإيراني للحفاظ على السلطة، بغض النظر عن التكلفة الاجتماعية، من تفاقم هذه الظروف. وبينما تواصل وسائل الإعلام الحكومية تصوير جميع القضايا ضمن إطار «الأمن القومي»، إلا أن شدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم تعد خافية. وتعكس هذه الإحصاءات دعوة ملحة لمعالجة القضايا الأساسية التي تؤثر على الإيرانيين، وهي قضايا تنبع مباشرة من أولويات النظام في التركيز على الطموحات العسكرية وقمع المعارضين بدلاً من رعاية الرفاهية المحلية.
ويدرك الشعب الإيراني بشكل متزايد أن هذه الأولويات هي جوهر معاناته. والرأي السائد في البلاد هو أن «المعركة» الأساسية ليست ضد أعداء خارجيين، بل ضد «جرائم خامنئي وفصائله»، التي تهيمن على السلطات الثلاث. وقد ساهم هذا الإدراك في خلق انقسام لا مفر منه في المشهد السياسي الإيراني، حيث يرى قطاع كبير من الشعب مستقبلاً خالياً من الديكتاتورية، ويصمم على رسم اتجاه جديد للبلاد.
يعكس هذا المشهد الواقع الحالي في إيران، حيث يستمر السخط الشعبي في النمو متحدياً نظاماً يفضل السلطة على الرفاهية.