موقع المجلس:
على أعتاب انطلاقة العام الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وهي إحدى المنظمات والأحزاب الثورية النادرة التي تمكنت من الوقوف على سكة التطور الاجتماعي في مواجهة دؤوبة ومتواصلة مع الدكتاتوريتين الهائلتين في التاريخ المعاصر في إيران (الشاه والملالي) ولعبت دورًا حاسمًا في تاريخ إيران المعاصر. وقضت المنظمة 13عامًا من حياتها المليئة بالنجاحات والاختبارات خلال فترة الحكم الملكي، و46عامًا في عهد الملالي الحاكمين في إيران.
يبقى السؤال المحوري: ما الذي جعل مجاهدي خلق تحافظ على قوتها وحيويتها وحماسها وازدهارها على مدار هذه العقود، رغم تعرضها لمخاطر جسيمة وسفك دماء بحقهم والمؤامرات التي لا تعد ولا تحصى، وكيف تمكنت من الاستمرار في رفع راية النضال في أصعب ظروف النضال؟
سر البقاء
يمكن عزو بقاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية إلى عدة عوامل، منها:
الإيمان العميق بالقضية، والاعتماد على التغيير الإنساني كمسؤولية أساسية، وتحديد حدود واضحة وثابتة بين جبهة الشعب والجبهة المناهضة له. الإصرار على النضال ضد العدو الرئيسي، والتمسك بالصدق والإخلاص والتضحية، مع الحفاظ على النقاء السياسي والتنظيمي في كل مراحل النضال. الوفاء بالوعود والتضحية بكل شيء من أجل حرية الشعب، والقدرة على التكيف المستمر مع روح العصر دون انتهاك المبادئ، والتمتع بقاعدة شعبية واسعة. كما لعبت الوحدة الأيديولوجية والاستراتيجية والتنظيمية دورًا كبيرًا في تعزيز صمود المنظمة.
علاوة على ذلك، أسهم التمسك بقواعد الثورة الأيديولوجية الداخلية وتحديث الكوادر، والقيادة الواعية والذكية والمضحية لمسعود رجوي، والدور المبدع والفعّال لمريم رجوي، إضافة إلى الصفوف غير المتناهية من النساء الكفوءات وتدريب الكوادر المتميزة، في تعزيز قوة المنظمة. كذلك، التزام الأعضاء بالتقوى السياسية والعمل الدؤوب، إلى جانب الروح القتالية وعدم الرضوخ أو الاستسلام، والتمسك بمبادئ الثورة الأيديولوجية الداخلية لخلق ديناميكية مستمرة وتحمل المسؤولية تماما بين الأعضاء والكوادر، كلها عوامل ساهمت في بقاء واستمرار المنظمة على مدار العقود.”
رسم حدود واضحة وثابتة
أسس محمد حنيف نجاد، مؤسس منظمة مجاهدي خلق في إيران، مبدأ جوهريًا ينص على أن الحدود الرئيسية ليست بين المؤمنين وغير المؤمنين بالله، بل بين المستغِل والمستغَل. بدأت منظمة مجاهدي خلق بهذه الفكرة الذهبية، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، لم تنتهك مبادئها. على سبيل المثال، تبنت المنظمة مواقف حاسمة وثورية وقوية في مواجهة أعداء الشعب. كما اتسمت بالمرونة والتسامح والتوعية والتحذير والحسم بين صفوف الشعب والتيارات المختلفة التي يتكون منها.
لم يُسجّل في تاريخ مجاهدي خلق أي انتهاك لهذه المبادئ، الأمر الذي أثار غضب التيارات العميلة والمائلة للعمالة، نتيجة لرفض المنظمة الرضوخ للشاه أو الملالي، وتمسكها الراسخ بمبادئها وعدم تجاوزها لتلك الحدود.
وبفضل التزامها الصارم بهذه الحدود والمبادئ، ركزت منظمة مجاهدي خلق باستمرار على العدو الرئيسي. سواء كان ذلك في سجون نظام الشاه أو بعد الثورة المناهضة للملكية أو خلال حكم الملالي اللاإنساني، لم تتورط المنظمة في صراعات جانبية، بل كانت بوصلتها النضالية تشير دائمًا نحو العدو الرئيسي. هذا التركيز المستمر مكّنها من تكريس كل طاقاتها نحو تحقيق الهدف الأساسي.
الصدق والإخلاص
لم يكن مؤسسو منظمة مجاهدي خلق يسعون لتحقيق أهداف شخصية أو للوصول إلى المناصب والسلطة. ما دفعهم لتأسيس هذه المنظمة كان معاناة الشعب والتفكير في حريته، وليس أي مصلحة ذاتية. كانوا من الرواد الذين لم يتحملوا ‘ظلم الظالم ولا جوع المظلوم’.
التضحية التامة والوفاء بالوعد
الوفاء بالعهد ليس مجرد فكرة أو أمنية في منظمة مجاهدي خلق، بل هو ممارسة يومية في النضال، وبدونه لا يمكن التقدم إلى الأمام. كل يوم، وربما كل ساعة، يحمل في طياته اختبارًا جديدًا. ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الاختبارات:
التخلي عن الدراسة والعمل والمركز الاجتماعي، وترك الحياة الأسرية والتضحية بالعواطف من أجل قضايا أكبر، والتبرع بالممتلكات لصالح القضية، والهجرة بعيدًا عن الأصدقاء والوطن والعيش في المنفى، وتحمل السجن والتعذيب وحتى الإعدام. إضافة إلى مواجهة الإهانات والهجمات من قبل البلطجية، والبقاء تحت القصف الصاروخي، والتعامل مع نزع السلاح، والنجاة من انقلاب 17 يونيو المرعب، ومقاومة الحصار ومكبرات الصوت التي تدعو إلى الخضوع والغدر، والوقوف بصدور عارية أمام الرصاص والهراوات التي يستخدمها العملاء العراقيون من فيلق القدس، والجرح تحت عجلات مركبات ‘هامفي’، والتعرض للاحتجاز كرهائن، والإضراب التام عن الطعام. هذه المواقف كلها تمثل مظاهر الوفاء بالوعد والنجاح في اجتياز تلك الاختبارات بكل فخر وشموخ.”
قيادة يقظة وذكية وفدائية
كثيرون من القادة الاجتماعيين والسياسيين على استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل قضيتهم، لكن القلة منهم فقط مستعدة لمواجهة اغتيال الشخصية والتضحية بمصداقيتهم وسمعتهم من أجل قضية الحرية ومصالح الشعب والوطن. نادرًا ما نجد قادة من هذا النوع، وإن وجدوا، فهم يُعتبرون استثناءً. في تاريخ النضالات في إيران والعالم، هناك أمثلة عديدة على الغدر، حيث كان القادة أنفسهم أول من تخلى عن الميدان. لكن مسعود رجوي، كما وصفه أحد مؤسسي مجاهدي خلق، سعيد محسن، هو ‘من يستشهد كل يوم وكل ساعة، أجل، شهيد حي’. فالاستشهاد بالروح أصعب من الاستشهاد بالجسد.
ذكاء مسعود رجوي وتضحيته نتجا عن صراع منظم ضد دكتاتوريتين هائلتين، وتجارب مغمسة بالدماء. عندما ترى قيادة هذه المقاومة أن هناك خطوة صحيحة ومبدئية يجب اتخاذها، حتى وإن كانت ستكلف أعلى ثمن، فإنها لا تتردد في القيام بها ولو قيد أنملة.”
الثورة الأيديولوجية
في ثقافتهم التنظيمية، يصف مجاهدي خلق الثورة الأيديولوجية بأنها ‘مصدر الطاقات والقدرات في المنظمة’. تركز هذه الثورة على تعزيز قدرة الإنسان المجاهد لتكون على مستوى القضية التي يتبنونها. بفضل هذه الثورة، تمكن أعضاء مجاهدي خلق من تجاوز عقبات صعبة في نضالهم، عقبات لا يمكن العثور على حلول لها في الكتب الفلسفية الأيديولوجية.
من خلال الثورة الأيديولوجية، تمكنوا من التقدم في المنعطفات الحاسمة بدلاً من الاستسلام للواقع، مستمرين في التقدم والتأقلم مع المراحل الأكثر تعقيداً. لم يكن هذا النهج ممكناً إلا من خلال استنباط الطاقات الكامنة في الإنسان. لولا ذلك، كيف كانوا سيستطيعون الصمود أمام عدو شرس وهم في عدد قليل؟ من خلال هذه الثورة، طورت منظمة مجاهدي خلق نظرية جديدة للنضال ترتكز على نوعية الكوادر بدلاً من الكمّية.”
دور مميز وخاص لمريم رجوي، وجيل مزدهر من النساء الكفوءات
تُطرح تساؤلات عديدة حول سبب عدم حدوث انقسام داخل منظمة مجاهدي خلق، وعدم وجود حالات اصطفاف بين أعضائها. يُفترض أحيانًا أن الأعضاء يقبلون ما يقوله قادتهم دون نقاش، أو أن هناك قمعًا لأي صوت معارض. ولكن، إذا كان بالإمكان قيادة منظمة ثورية في أصعب الظروف السياسية عن طريق الإيحاء والتلاعب، فإن خامنئي وحده يعرف هذا الفن بشكل أفضل من أي شخص آخر.
أعضاء مجاهدي خلق لا يخوضون النضال من أجل مصالح مهنية أو جماعية، بل يكرسون أنفسهم بالكامل لخدمة شعبهم. لقد ضحوا بكل غالٍ ونفيس لتحقيق مصالح شعبهم. في منظمة ثورية مثل مجاهدي خلق، يُعتبر الأداء في الميدان هو اختبار حقيقي للكفاءة. أولئك الذين يظهرون أكبر قدر من النكران للذات ويضحون أكثر، يصبحون روادًا. في ساحة النضال الثوري، من يكرس كل طاقاته لمواجهة العدو، يلهم الآخرين. الالتزام العميق بالحرية والعزم على تقديم كل شيء من أجلها يوجه جميع الأعضاء والكوادر نحو هدف واحد.
لقد شهدت صفوف مجاهدي خلق تغيرًا وازدهارًا بفضل الثورة الأيديولوجية، وتمثل هذا الازدهار في “المجلس المركزي”. هؤلاء القادة لا يروجون لأنفسهم، بل يحافظون على المنظمة من الأضرار الداخلية والخارجية، ويشدون أزر بعضهم البعض. هذا هو سر بقاء منظمة مجاهدي خلق وتفاديها للخسائر.
ويُعد الدور المميز لمريم رجوي رمزًا بارزًا لهذا التغيير. لقد مرت 39 عامًا من تاريخ مجاهدي خلق، أي ما يقرب من ثلثي عمرها، بدورها المؤثر في فتح الطرق المسدودة في المشاهد النضالية الخطيرة.
رسالة الذكرى الـ60 للتأسيس
ما ذُكر أعلاه هو جزء من سر بقاء مجاهدي خلق في نضالها ضد الدكتاتوريتين. نهنئ منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بمناسبة انطلاقة عامها الستين. منظمة لا تزال شابة وديناميكية وحيوية، ومصممة على المضي قدمًا رغم السنين وتعرضها للهجمات والمحن. سيساهم هذا التراث العظيم في إزالة أكبر عائق أمام التطور الاجتماعي في إيران، وسيسهم في بناء مجتمع حر ومزدهر على أنقاضه.”