موقع المجلس:
في الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، من بين العناصر التي تستحق التأمل هو قيادة النساء في هذه المقاومة. هذا يمثل قمة مذهلة في تحمل المسؤولية واكتشاف وإبراز كفاءات النساء التاريخية وتفعيلها في العالم المعاصر.
في ظل هذا التحول، استبدلت “مجلس القيادة” لمجاهدي خلق، الذي كان يتألف من 24 عضوة، بـ “المجلس المركزي” الذي يضم 1000 امرأة مؤهلة من مجاهدي خلق في عام 2015.
في هذه التغيرات المنظمة والمنهجية، لا يوجد مكان للشكلية أو الدعاية أو التظاهر بالحداثة، ولا لأي استغلال آخر. بل وقبل كل شيء، الحديث هنا عن “ثورة”؛ ثورة في الفكر والرؤية، التي وجدت تجسيدها الفعلي والتنظيمي في عملية نضال شاق. ما أدى إلى هذه الثورة هو الأيديولوجية والجذور الفلسفية لمجاهدي خلق، والتي كانت لها الأولوية والسبق في تحقيق هذا التحول.
“نفي الاستغلال”، حجر الأساس لتأسيس منظمة مجاهدي خلق
الجملة الذهبية لمحمد حنيفنژاد التي يعرفها الكثيرون هي: “الخط الفاصل الرئيسي في المجال الاقتصادي الاجتماعي ليس بين المؤمن بالله وغير المؤمن به، بل بين المستغِل والمستغَل”. اعتمد مؤسسو المنظمة على هذا الخط الفاصل ليجعلوا من الإسلام أيديولوجية ثورية توجه نشاطهم النضالي. في عام (1975)، قدم مسعود رجوي تعريفًا جديدًا للإسلام باعتباره السقف الأيديولوجي لمجاهدي خلق، وأعلن أن الإسلام، على محور التطور الاجتماعي، يقع أعلى من موقع الماركسية. كان اكتشاف هذه النظرية في تلك السنوات يبدو مذهلاً وربما كان من الصعب على الكثيرين استيعابها، ولكن مسعود رجوي لم يكن ينظر إلى مفهوم نفي الاستغلال فقط في المجال الاقتصادي – الاجتماعي و”القيمة الزائدة”، بل كان يطمح إلى آفاق أعلى: “نفي استغلال الإنسان للإنسان”، أي نفي “الفصل العنصري الجنسي” وكل أشكال التعامل مع المرأة كسلعة والنظر إليها كجنس ثانٍ.
كانت هذه النظرية المناهضة للاستغلال بحاجة إلى نموذج يكسر الحواجز ويمهد الطريق داخل منظمة مجاهدي خلق. فهل كان مثل هذا النموذج ممكن التصور؟
في عام 1984، وقبيل الذكرى العشرين لتأسيسها، توصلت منظمة مجاهدي خلق إلى استنتاج مفاده أن المستوى التنظيمي للنساء المجاهدات لا يتناسب مع مستوى المسؤولية والإبداع الذي يتحملنه. كانت النساء أقل حضورًا من الرجال في مواقع صنع القرار. هذا في وقت كانت فيه موجة هائلة من النساء والفتيات قد انضمت إلى المنظمة بعد انتصار الثورة ضد الشاه، وأظهرن بطولات ملحمية في ساحات النضال الصعبة، وأيضًا في أماكن التعذيب وساحات الإعدام. والأهم من ذلك، أن مجاهدي خلق، الذين كانوا يؤمنون بشدة بمبدأ نفي استغلال الإنسان للإنسان، كانوا يتطلعون إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع المجالات، لذلك لم يكن بإمكانهم تجاهل هذه الظاهرة الفريدة.
استجابة لهذه الضرورة، أعلن مسعود رجوي في 10 مارس 1985، أن مريم رجوي، التي كانت تعتبر أكثر النساء المجاهدات كفاءة، ستكون مرادفة للأمين العام للمنظمة. لقد رأى أن الحل يكمن في إشراك النساء في قيادة المنظمة. كانت هذه أول خطوة اتخذتها المنظمة للاستجابة للكفاءات البارزة التي أظهرتها النساء المجاهدات. هذه الكفاءات التي تحققت كتيار مستمر، بدءًا من “فاطمة أميني” بطلة الصمود تحت التعذيب وأول شهيدة للمنظمة، وصولًا إلى “أشرف رجوي” في خضم النضال الثوري.
تقول مريم رجوي عن هذه التجربة:
“عندما تم ترشيحي لتحمل هذه المسؤولية، كانت ثقل المسؤولية واتخاذ القرار بشأنها أمرًا صعبًا ومرهقًا بالنسبة لي… لكن هناك شيء واحد أزال شكوكي: وهو أنني رأيت فعليًا أنه خارج نطاق ذاتي، وبسبب متطلبات حركة المقاومة، كان يجب اتخاذ هذه الخطوة؛ بمعنى أنه للمضي قدمًا، كان علينا الاستجابة لهذه الضرورة” (من كتاب “النساء قوة التغيير”).
الثورة الايديولوجية الداخلية في مجاهدي خلق
كان وضع مريم رجوي في مدار مكافئ لمنصب الأمين العام للمنظمة، ومن ثم في موقع الأمين العام ، نقطة انطلاق “الثورة الأيديولوجية الداخلية” في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. لم تكتفِ مريم رجوي بأن تكون مجرد مفسرة وواضعة لهذا الانقلاب، ولم تقتصر على تقديم نظريات منفصلة عن العمل والرسالة الاجتماعية. بل بدأت أولاً بالانتفاض ضد التمييز المتأصل ضد النساء من معتقداتها، وثارَت ضد ما كان يُعتبر فطريًا ومدمجًا في طبيعة الخلق، وقامت بتدريب وتنظيم النساء المجاهدات لتحمل مسؤولياتهن الثورية الثقيلة.
لقد أدركت جيدًا أنه بسبب طبيعة النظام الحاكم المعادية للمرأة بشكل هيستيري، تعيش النساء الإيرانيات في وضع تاريخي خاص. وتحدثت عن قوة النساء لتحقيق التغيير في إيران في وقت لم تكن حتى الحركات النسوية تعترف بمثل هذا الدور للنساء في السياق الإيراني.
بروز كفاءة النساء التاريخية
مع هذا التحول البارز، تم كسر حاجز تاريخي هائل، وفي فترة قصيرة زاد وجود النساء في المجلس المركزي من 15% إلى 34%. وكان هذا مجرد بداية الطريق. وبعد ثلاث سنوات، وصلت نسبة النساء في هيئة قيادة جيش التحرير إلى 50%. خلال السنوات من 1989 إلى 1993، حققت حركة المساواة خطوات كبيرة إلى الأمام. تجاوزت كفاءات النساء المجاهدات حدودًا جديدة. في عام 1993، تم اختيار أعضاء قيادة المنظمة بالكامل من النساء المؤهلات.
كانت ضرورات النضال من أجل الإطاحة بالنظام تتطلب أن تقفز حركة المساواة إلى نقطة تحول. مريم رجوي لم تتوقف عند هذه المرحلة. كانت آفاق تفكيرها أوسع وأعمق من ذلك. بالإضافة إلى دعوتها للمشاركة المنهجية للنساء في القيادة السياسية، شددت على ضرورة هيمنة النساء خلال فترة تاريخية معينة. وهذا هو المنظور الأكثر تقدمية وراديكالية الذي تم التعبير عنه حتى الآن حول تحرير النساء من قبل امرأة مثقفة وخارقة للحواجز.
الصدى العالي لأصوات المظلومين
في 28 أغسطس 1993، حدث تحول آخر مع انتخاب مريم رجوي كرئيسة للجمهورية للفترة الانتقالية من قبل برلمان المقاومة الإيرانية وإعلانه في 22 أكتوبر 1993،. ما تم اختباره بنجاح في منظمة مجاهدي خلق، فتح الباب على نطاق أوسع أمام طيف مؤيدي المقاومة، وبالتالي للمجتمع الإيراني المكبل.
قالت مريم رجوي في خطاب ألقته في 21 يونيو 1996 أمام الإيرانيين الأحرار في إيرلز كورت في لندن:
” النساء کنّ أول ضحايا الاضطهاد في التاريخ. إلى جانب الاضطهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يجب أن يدفعن فاتورة “ذنبهن” كونهن نساء. وإذا كانت النساء يشكلن، نصف البشر على هذا الكوكب، فإن الاضطهاد الجنساني والثقافة النابعة عنه يؤثر بشكل مباشر على النصف الآخر من الجنس البشري، أي الرجال ويبقي الرجل أسيرا وملوثّا. ومن ثم، فإن الحرية الحقيقية للفرد والمجتمع لا يمكن تحقيقها في نهاية المطاف إلا من خلال تحرير المرأة المضطهدة. بعبارة أخرى، يتجاوز التمييز ضد المرأة جميع المجالات الأخرى للوجود البشري ويؤثر عليها.”.
في هذا الخطاب، يكشف عن حقيقة مروعة لا يمكن العثور عليها في الثقافة الملوثة للنظام الأبوي والازدواجية البشرية:
“في الواقع، تم استعباد النساء مرتين: مرة لأنهن نساء ومرة مع عبيد آخرين.”
ولاجتثاث هذا النوع من العبودية، من الضروري تحقيق وعي ذاتي تجاهها. فالحرية تبدأ أولاً من كسر الأصنام في النفس والعقل، وكما أُشير سابقاً، من خلال ثورة في الفكر والرؤية. هذه الثورة التي بدأت من فكر مسعود رجوي المعادي للاستغلال، واصلت مريم رجوي قيادتها وكسر الحواجز، لتشمل كامل منظمة مجاهدي خلق ومن ثم المقاومة الإيرانية، ليصدح صوت المظلومين عالياً.
المرأة الإيرانية أمام أفق مشرق
نظرة على المشاركة الواسعة للمرأة الإيرانية في سلسلة الانتفاضات الكبيرة تُبرز هذه الحقيقة: ما اختبره مجاهدو خلق في تنظيمهم ضمن نطاق الحركة، واستخدموه في مواجهة الاستبداد المعادي للنساء في نظام ولاية الفقيه، انتشر بسرعة في المجتمع الإيراني المتفجر. الآن، عندما يتحدث المجتمع الدولي وضمائر العالم عن المرأة الإيرانية، يربطون ذلك فورًا بصفات مثل “شجاعة” أو “شجاعة بشكل استثنائي”.
ريادة النساء الإيرانيات الشجاعات في الانتفاضات الوطنية هي تجسيد لدور وتأثير النساء المجاهدات والمناضلات في الأجواء المهيئة في إيران.
بدون تأثير ودور القيادة الحاسمة لمريم رجوي، لم تكن المقاومة الإيرانية لتتمكن من البقاء في مواجهة الفاشية الدينية المعادية للمرأة.