العرب اللندنیة – إبراهيم الزبيدي كاتب عراقي:
الجميع يعلم بأن النظام الإيراني المحاصر في الداخل بالانتفاضة الشعبية ومن الخارج بالعقوبات أحوج ما يكون إلى جعل الدول المجاورة ودولٍ أخرى من خارج الإقليم تتوقف عن دعم الانتفاضة إعلاميا على الأقل.
المواطن العراقي لا يثق بوعودهم
تعهدت الوفود المشاركة في مؤتمر قمة بغداد 2 الذي عقد في البحر الميت في الأردن بـ”التعاون مع العراق دعما لأمنه واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلا لحل الخلافات الإقليمية”. كما شددت على دعم “جهود العراق لتحقيق التنمية الشاملة، والعمل على بناء التكامل الاقتصادي، والتعاون معه في قطاعات عديدة تشمل الطاقة والمياه والربط الكهربائي والأمن الغذائي”.
ودون شك، هذا كلام جميل كان يفترض أن يشرح قلوب العراقيين ويوقظ فيهم الأمل في قرب الخروج من زمن الكوابيس والدخول إلى عالم الشعوب الآمنة من جديد.
ولكن هناك ثلاثة أسباب تمنع المواطن العراقي من الثقة بهذه الوعود.
أولها أن البيان أكد على أن “نجاح مشاريع التعاون الإقليمي يتطلب علاقات إقليمية بنّاءة قائمة على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى التعاون في تكريس الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب”.
وهذا كلام سيظل حبرا على ورق، مثلما بقيت وعودُ المؤتمر السابق، وذلك لأن صاحب القرار العراقي الوحيد، وقد كان سابقا قاسم سليماني، ولاحقا إسماعيل قاآني، لن يسمح بمشاريع من هذا النوع إلا إذا أصابته لوثة من جنون.
◙ تبين، قبل انتهاء المؤتمر، أن قادة الدول العربية المتضررة من إيران، وممثل الاتحاد الأوروبي، غير عازمين على معاملة هذا النظام بما يستحق، وذلك حين سارعوا إلى لقاء حسين عبداللهيان
هذا مضافٌ إلى أن جميع الموقّعين على البيان يعرفون أن الحاكم الإيراني لا يستطيع البقاء على قيد الحياة إلا بالتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه، وبعدم احترام حسن الجوار، ويعرفون أن هذا يعني خروجه من العراق، ثم من سوريا ولبنان وأخيرا من اليمن، وهي أضغاث أحلام، أو عشم إبليس.
وحديث البيان الختامي عن التعاون “في تكريس الأمن والاستقرار، ومحاربة الإرهاب” غريب وعجيب، لأن المُطالَب بالسماح بمثل هذا التعاون نظامٌ يجاهر ويتاجر ويفاخر بزعزعة الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة، ويتعمد تسريب أخبار دعمه للإرهاب وإيواء كبار قادة القاعدة وداعش وأسرهم، واستخدامهم لتحقيق أهدافه التوسعية، ولا يتوب.
أما السبب الثاني فهو أن المشاركين في المؤتمر، جميعا، يعرفون أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كسلفِه مصطفى الكاظمي لا يملك الصلاحية ولا الشجاعة على الخروج من عباءة الولي الفقيه وحرسه الثوري ووكلائه في الإطار التنسيقي، وبالتالي فهو ليس مندوبا عن العراق، وإن حضر وخطب ووقّع، بل هو مرافق لجناب المندوب الحقيقي عن العراق، شعبا وحكومة، حسين أمير عبداللهيان، وزير خارجية النظام الإيراني، رضي من رضي، وأبى من أبى.
وعند مراجعة كلمة هذا اللهيان الذي تعمد أن يجعل بعضها بالفارسية وبعضها الآخر بالعربية نجد أنها رسائل مشفرة لئيمة تقصَّد بها تعكير مزاج زملائه العرب، خصوصا حين ترحّم على قاسم سليماني ودعا له بالخلود وهو يعلم بأن هذا تذكير لهم بأن أيّ مدينة عربية، قريبة وبعيدة، صغيرة وكبيرة، كانت وستبقى هدفا سهلا لصواريخه ومسيراته وميليشياته وتعدياته ومؤامراته التي لا تنسى.
ثم إن الوزير الإيراني يعرف أن كل واحد من الحاضرين في هذا المؤتمر يتمنّى بقلبه، وهو أضعف الإيمان، أن يرى يوم الخلاص من ولاية الفقيه، اليوم وليس غداً، منطلقا من إيمانه بأنّ تحرير العراق وسوريا ولبنان، وضمان أمن الأردن ودول الخليج العربية، وتأمين راحة بال شعوبها، أهدافٌ صعبة لن تتحقق إلا بإسقاط النظام الشرير بالوسائل السرية والعلنية وقدر المستطاع.
كما أن جميع المشاركين في المؤتمر يعلمون، في الوقت نفسه، بأن النظام لا يستطيع أن يعيش، ولا يضمن أمنه واستقراره إلا بزعزعة أمن جيرانه، وإرهابهم، وإرباكهم، واستنزافهم، وتعطيل مصالحهم الحيوية.
والسبب الثالث، وهو الأهم، أن المواطن العراقي مؤمن بأن الوعود الجميلة التي قطعها البيانُ الختامي على نفسه لن تتحقق إلا بدعم الشعب الإيراني المنتفض على النظام، وإلا بالمزيد من محاصرة ميليشياته العراقية واللبنانية، واستهداف معسكراتها وقواعدها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
◙ جميع الموقّعين على البيان يعرفون أن الحاكم الإيراني لا يستطيع البقاء على قيد الحياة إلا بالتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه، وبعدم احترام حسن الجوار
وقد تبين، قبل انتهاء المؤتمر، أن قادة الدول العربية المتضررة من إيران، وممثل الاتحاد الأوروبي، غير عازمين على معاملة هذا النظام بما يستحق، وذلك حين سارعوا إلى لقاء حسين عبداللهيان، أيا تكن المبررات السياسية التي أجازت هذه اللقاءات. فهذا يعني واحدا من اثنين، إما أنهم خدعوا وصدّقوا الكلام المعسول المسموم الذي نثره الوزير الإيراني على أسماعهم عن الحوار والتعاون والتفاهم مع دول الجوار، أو أن أملا مازال يراودهم في احتمال توبة النظام عن عدوانيته ودمويته وكبريائه وعنجهيته، وإمكانية تخليه عن العراق، والسماح لهم باسترجاعه منه بالمال والمخابرات.
فقد سارع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى الاجتماع مع عبداللهيان أملا في أن تساعد القمة الإقليمية على تحريك المباحثات المتعثرة بشأن إحياء الاتفاق النووي.
وصرح الوزير الإيراني بأنه تحدث إلى نظيره السعودي خلال مؤتمر في الأردن، وأعلن أن الوزير السعودي أكد له استعداد الرياض لمواصلة الحوار.
والتقى بالملك عبدالله الثاني وسلمه رسالة من إبراهيم رئيسي تناولت بحث التطورات الإقليمية والعلاقات الثنائية.
والجميع يعلم بأن النظام الإيراني المحاصر في الداخل بالانتفاضة الشعبية، ومن الخارج بالعقوبات والمقاطعات الإقليمية والدولية، أحوج ما يكون، اليوم، إلى جعل الدول المجاورة ودولٍ أخرى من خارج الإقليم، تتوقف عن دعم الانتفاضة، إعلاميا على الأقل.
وما دعوته إلى الحوار والتعاون بين دول الإقليم إلا حاجة عاجلة يأمل أن يجعلها حبل إنقاذٍ مرحلية، وبعدها لكل حادث حديث.
ولا يعقل أن يكون المشاركون في المؤتمر قد صدقوا عبداللهيان حين قال إن “حكومة إيران الجديدة طورت علاقتها مع الدول المجاورة، ومنها جمهورية العراق، وتؤكد على دعم حكومة العراق للرقي والازدهار”.