موقع المجلس:
حين يُدلي رئيس الحكومة بتصريحات تتعلق باحتمال تقنين مياه العاصمة أو إخلاء مدينة يقطنها أكثر من عشرة ملايين نسمة، فإن الأمر يتجاوز مجرد تنبيه إداري ليكشف عن عجز جذري في إدارة حياة السكان وضمان أمنهم.
تصريح مسعود بزشكيان في 6 نوفمبر بشأن احتمال فرض تقنين للمياه الشهر المقبل، وتحذيره من ضرورة إخلاء طهران إذا لم تهطل الأمطار، لم يكن مجرد كلام تقني بل يعكس حجم الأزمة واتساع الفراغ السياسي الذي تحجبه اللغة الرسمية.

المعطيات الميدانية صادمة:
ـ مخزون سد لار، الذي يُفترض أن يستوعب نحو 960 مليون متر مكعب من المياه، لا يتجاوز اليوم 14 مليون متر مكعب.
ـ تقارير حكومية تشير إلى أن ثلثي الخزانات فارغة.
ـ تحذيرات متزايدة من قرب جفاف سد كرج ولتيان، بالإضافة إلى الانكماش المدمر لمستنقع گاوخوني وجزء من بحيرة أورميه.
هذه الأرقام لا تبرر الأداء الحكومي، بل تُدينه مباشرة.
ورغم إصرار الخطاب الرسمي على تعليق الأزمة على شماعة “الجفاف”، إلا أن هذه الرواية تبدو بلا سند علمي أو سياسي، خصوصًا مع اعترافات داخلية تتحدث عن وجود شبكات نفوذ ومافيات تتحكم بسياسات المياه وتمويل مشاريعها.
حديث متزايد عن بيع المياه كوسيلة تمويل، واحتكارات ومشاريع نقل مشبوهة، واستثمارات غامضة تديرها جهات مرتبطة بمراكز السلطة… وكلها مؤشرات على أن الأزمة نتيجة فساد وسوء إدارة أكثر من كونها ظرفًا طبيعيًا.
المشكلة تتجاوز نقص الأمطار لتتجذر في إدارة فاشلة وأولويات منحرفة، حولت المياه ــ بصفتها موردًا عامًا وحيويًا ــ إلى سلعة تجارية يهيمن عليها قلة نافذة.
فالاتهامات المرتبطة بـ “مافيا المياه” التي تعطل خططًا حديثة لإدارة الموارد أو مشاريع حفظها وتوزيعها، تؤكد أن الحل لا يبدأ من انتظار المطر بل من اجتثاث الفساد ومحاسبة المتورطين في احتكار هذا المورد الحيوي.
وفي هذا السياق، يستعيد كثيرون العبارة اللافتة لزعيم المقاومة الإيرانية مسعود رجوي:
“نعم، يجب إخلاء طهران ــ ولكن من هذا النظام.”
وإن كانت ليست دعوة للعنف، إلا أنها تحمل رسالة واضحة:
الحل يبدأ بإعادة ملكية الموارد العامة إلى الشعب، وإصلاح مؤسسات الدولة لتصبح شفافة ومسؤولة وقادرة على إدارة كل قطرة ماء بما يخدم المواطنين لا مصالح مجموعات مغلقة.
إن المطلوب اليوم واضح:
ـ تحقيق مستقل وشفاف يكشف العقود والسياسات ومن يقف خلفها
ـ إصلاحات عاجلة تشمل توزيعا عادلاً للموارد
ـ برامج فعّالة لحماية المياه
ـ تحديث البنية التحتية
ـ تعويض المناطق الأكثر تضررًا
كما أن إشراك المجتمع المدني والخبراء ضرورة لاستعادة الثقة ووقف استنزاف الثروات.
فالاعتماد على “موسم أمطار” لإنقاذ الوضع ليس خطة، بل مقامرة بحياة ملايين المواطنين.
والمعالجة الحقيقية تتطلب محاسبة من خلق منظومة الاحتكار والنهب، ووضع استراتيجيات وطنية تصون المياه بوصفها حقًا عامًا لا يمكن الاتجار به.
أما تجاهل الأزمة أو تأجيل إصلاحها، فهو ليس مجرد فشل إداري، بل جريمة بحق شعب يستحق إدارة توفر له الأمن المائي ومستقبلًا مستقرًا.








