موقع المجلس:
تعيش إيران هذه الأيام على وقع تحذيرات متصاعدة تصدر حتى من داخل أروقة السلطة، حيث باتت وسائل الإعلام الرسمية ومنابر النظام تعجّ بالحديث عن نفاد صبر الشارع واقتراب البلاد من “الخط الأحمر” الذي لا عودة بعده. ففي الخامس من أكتوبر، ارتفع صوت النائب المعمم محمد تقي نقد علي تحت قبة البرلمان ليحذر من الانهيار الحاد في قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار الدولار والذهب، وتراجع دخل المواطن إلى نحو الثلث مما كان عليه، مطالبًا السلطات الثلاث بالتحرك العاجل لاحتواء “غضب الناس” قبل فوات الأوان.
لكن، ما الذي تكشفه هذه التحذيرات في ظل مجتمع شهد خلال العقود الأخيرة ثلاث انتفاضات كبرى هزّت أركان النظام؟
من احتجاج عابر إلى ثقافة راسخة
لم تعد الحركة الاحتجاجية في إيران مجرّد موجات غضب مؤقتة، بل تحولت إلى مسار تاريخي متراكم يعبّر عن أزمة عميقة في شرعية النظام الحاكم. وإذا كانت انتفاضات أعوام 2009، 2017، و2019 تمثل ثلاث هزات أرضية اجتماعية كبرى، فإن تكرارها وشدتها يعكسان طاقة كامنة تتنامى تحت السطح، استعدادًا لانفجار أكبر.
إنها أشبه ببركان تتفاعل في جوفه حمم من السخط الشعبي، والظلم الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، والاستبداد الديني، تنتظر لحظة الانفجار الكبرى.
لقد غدا الاحتجاج في إيران سلوكًا متجذرًا وثقافة متوارثة، بل يمكن القول إنه أصبح “معرفة معاشة” تشربها المجتمع من تجاربه المتكررة مع القمع، حتى باتت جزءًا أصيلًا من الهوية السياسية للأجيال الجديدة.
ما بعد التحذير… المسألة ليست “هل” بل “متى”
قد يواصل مسؤولو النظام تبادل التحذيرات والنداءات، لكن ما هو واضح أن المجتمع الإيراني قد تجاوز مرحلة التحذير، ودخل طور اللاعودة. فكل موجة قمع جديدة لا تؤدي إلا إلى زيادة الضغط داخل هذا البركان الاجتماعي المكتوم، مما يقرب لحظة الانفجار المحتوم.
لقد وصل النظام إلى حالة من الجمود الاستراتيجي؛ فلم تعد أساليبه القديمة — من دعاية وشعارات إصلاحية زائفة — قادرة على امتصاص الغضب الشعبي أو ترميم الشرعية المتآكلة.
وعندما يعجز الحكم عن تأمين لقمة العيش للمواطنين ويخسر مبرر بقائه، يصبح الثوران الاجتماعي مسألة وقت لا أكثر.
إيران اليوم تقف على عتبة مرحلة تاريخية جديدة، حيث يتفاعل “الصهار الاجتماعي” في أعماقها منتظرًا الشرارة الأخيرة. فالانتفاضات السابقة لم تكن سوى مقدمات لحدث أكبر، ولأن المجتمع الإيراني يعيش منذ سنوات طويلة في حالة غليان دائم، فإن السؤال لم يعد هل ستقع الانفاضة؟ بل متى سيحين موعدها.