موقع المجلس:
تمتلك إيران واحدًا من أكبر كنوز الطاقة في العالم، باحتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ نحو 157.5 مليار برميل وفق بيانات 2023-2024، مع تقديرات أخرى تصل إلى 209 مليارات برميل، أي ما يقارب 12% من إجمالي موارد النفط عالميًا. أما في الغاز الطبيعي، فتحتل المرتبة الثانية عالميًا. وبالمجمل، فإن هذه الثروة الهائلة كان من الممكن أن تجعل إيران من أكثر الدول رخاءً وازدهارًا.
لكن الواقع مختلف تمامًا. فبدل أن تُستثمر هذه الموارد في تحسين حياة المواطنين، يجري إنفاقها عبر قنوات غير شفافة، ما يترك الإيرانيين وسط أزمات تضخم وفقر وانكماش اقتصادي حاد.

ثروة مهدورة وشعب فقير
تشير المؤشرات الاقتصادية إلى مشهد قاتم: تضخم يتجاوز 40% بشكل شبه دائم، انهيار متواصل للعملة الوطنية، وبطالة مرتفعة خاصة بين الشباب. ملايين الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، ما يدفع المتقاعدين والعمال إلى الشوارع في احتجاجات متكررة تطالب بالعدالة الاقتصادية.
الخبير الاقتصادي بيت الله ستاريان لخّص المأساة قائلاً:
“اقتصاد إيران حصان ميت، لا يمكن إصلاحه بتغيير السرج. حتى أعظم خبراء العالم لن يحققوا نتائج ضمن هذا الهيكل الحالي”.
هذا التصريح يعكس التناقض بين خطاب السلطات الذي يروّج لـ”نجاحات” في إدارة الموارد، والواقع الاجتماعي الذي يزداد قتامة.
فساد متجذر
المعضلة ليست فقط في العقوبات أو الأزمات الخارجية، بل في فساد مؤسسي متأصل. فوفق مؤشر الشفافية الدولية، تقبع إيران في مراتب متأخرة عالميًا. جزء كبير من عائدات النفط أُهدر على مشاريع عديمة الجدوى أو مغامرات خارجية، بينما استفاد منها أبناء النخبة والطبقة المقرّبة من النظام، المعروفة محليًا بـ”الآقازاده”.
الصحافة المحلية تكشف بين حين وآخر عن عقود نفط مشبوهة، وتخصيصات عملة تفضيلية، ومشاريع بمليارات بلا جدوى، لكن المحاسبة غائبة، وحماية المسؤولين متواصلة. وفي المقابل، يواجه المواطن العادي نقصًا في السلع الأساسية وأسعارًا تقفز بشكل جنوني.
غضب الشارع
هذا التناقض بين وفرة الثروة وشدة الفقر غذّى موجات متتالية من الغضب الشعبي. احتجاجات 2017 و2019، والاعتصامات المستمرة للمتقاعدين والمعلمين والعمال، كلها مؤشرات على تصاعد السخط. بالنسبة لكثير من الإيرانيين، ما يجري ليس مجرد سوء إدارة، بل إهدار متعمّد للثروة الوطنية على حساب رفاه الشعب.
أزمة تتعمق
تضافرت العقوبات الدولية مع الفساد المستشري وسوء الإدارة الداخلية لتدفع بالاقتصاد الإيراني نحو مأزق متفاقم. تقارير المراقبين الدوليين تحذّر من أن هذا الغضب الشعبي قد يصل إلى نقطة تحول سياسية.
المفارقة صارخة: دولة غنية بالنفط والغاز، لكنها غارقة في الفقر والاضطرابات. وإلى أن تتحول هذه الثروة نحو خدمة المواطنين، ستبقى الفجوة بين الشعب وحكامه في اتساع مستمر.








