اشتباکات داخل البرلمان الایراني-آرشیف
الحوار المتمدن- سعاد عزيزکاتبة مختصة بالشأن الايراني:
بعد أن شهدت الايام الاخيرة، توجيه إنتقادات لاذعة غير مسبوقة لرأس النظام الملا خامنئي بما يشبه بشن هجوم ضده، وهو ما أثبت بأن النظام يعيش حالة من الضعف والتفکك، فإن البيان الذي صدر عن الفصيل المعروف ب”جبهة الإصلاحات”، قد أماط اللثام عن عمق الازمة التي يعيشها النظام ووصول الصراع والانقسام في داخل النظام الى ذروته وخصوصا وإن هذا البيان قد دعا النظام وبصراحة ملفتة للنظر الى التراجع في سياسته الخارجية وقبول “المصالحة الوطنية”، في خطوة تذكر بلحظة “كأس السم” التي أجبر فيها خميني على قبول وقف إطلاق النار عام 1988 لإنقاذ نظامه من السقوط.
المحاولات التي بذلها النظام بعد حرب الايام ال12، ومزاعمه بشأن وحدة الصف ووقوف الشعب الى جانبه، والإدعاء بقوة النظام وثباته وإستعداده لخوض الحرب، قد صارت تدحض وتفند من داخل النظام نفسه، وهذا البيان بحد ذاته قد کشف عن شرخ عميق في النظام لا يمکن أن يلتئم إلا برحيله ولاسيما وقد أثبت عدم قدرته على السيطرة على الاوضاع وتلبية إحتياجات الشعب الايراني ناهيك عن کذب وزيف مزاعم إمکانيته في خوض الحرب.
البيان الذي أشرنا إليه في بداية مقالنا، والذي تم نشره في 17 أغسطس 2025، وصف الوضع الحالي بأنه “منعطف تاريخي”، محذرا من أن استمرار المسار الحالي لن يؤدي إلا إلى الانهيار وإضفاء الشرعية على أي حرب مستقبلية ضد إيران. واعتبر أن “تفعيل آلية الزناد بات وشيكا”، مما سيعيد الملف النووي إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويمهد لحرب ضد إيران. وقدم البيان ما أسماه “الاختيار الشجاع” المتمثل في “المصالحة الوطنية وترك الخصومة في الداخل والخارج” كطريق وحيد للنجاة، داعيا بشكل مباشر إلى “التعليق الطوعي للتخصيب” وبدء “مفاوضات شاملة ومباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وکموقف متوقع، قوبل هذا البيان بردود فعل عنيفة وغاضبة من جانب فصيل الملا خامنئي، وهو ما قد جسد حالة الانقسام العميق في النظام. فقد وصف عضو مجلس النظام، ثابتي، البيان بأنه “نتيجة مباشرة لاستراتيجية خاطئة للوفاق مع أهل النفاق”، وادعى أن “نتنياهو كتبه كلمة بكلمة”. وذهبت صحيفة “كيهان” التابعة لخامنئي إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبرت البيان “أشبه بمحاولة انقلاب ضد النظام” وتساءلت: “هل هو بيان جبهة الإصلاحات أم ترجمة فارسية لخطاب نتنياهو؟”. أما حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي في الصحيفة، فقد اعتبر تكرار هذا “الخطأ” بمثابة “خط سياسي” يتماهى مع مطالب أمريكا وإسرائيل بتغيير النظام.
ومن جانبه، اتهم الملا كعبي، عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء النظام، البيان بأنه “ينسجم مع رغبة العدو”، حيث يروج لضعف النظام ويبتعد عن خط الولي الفقيه. أما جواد لاريجاني، أحد منظري الإرهاب في النظام، فقد كان الأكثر صراحة، حيث اتهم “الإصلاحيين” بالسعي إلى “تفكيك” الصناعات النووية وحل حرس النظام الإيراني، واصفا رؤيتهم بأنها “صورة استئصالية” قائمة على اليأس. وأكد لاريجاني أن قبول هذه المقترحات يعني “تسليم البلاد بكلتا اليدين لأمريكا” وتحويل إيران إلى “بقرة حلوب”. تصريحاته كشفت عن رعب الجناح الحاكم من أي تراجع، معتبرا أن “آلية الزناد سم زعاف مثل الاتفاق النووي نفسه”.
والحقيقة التي تفرض نفسها بقوة، هي إن هذا الصدام العلني يکشف وبصورة واضحة عن المأزق القاتل الذي يواجهه النظام. فالولي الفقيه، علي خامنئي، يدرك جيدا ما قد لا يفهمه قادة “الإصلاحات”؛ وهو أن أي تراجع، حتى لو كان “طوعيا”، سيفسر على أنه ضعف قاتل وسيسرع من وتيرة سقوطه أكثر من أي أزمة أخرى. لذلك، يفضل خامنئي بوعي تام مسار المواجهة والتصعيد على مسار التسليم والتراجع. لكن هذا المسار أيضا محفوف بالمخاطر، حيث يقود إلى عزلة دولية أشد، وانهيار اقتصادي كامل، وغضب شعبي متصاعد قد ينفجر في أي لحظة. في كلتا الحالتين، يبدو أن النظام يسير في طريق مسدود، حيث يؤدي كل مسار يختاره إلى تسريع عملية سقوطه الحتمي.








