الکاتب – عبدالرحمن كوركي مهابادي :
على مدى العامين الماضيين ، تشهد جميع الأخبار والتقارير والمقالات والتعليقات والتحليلات والتأملات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية والأنشطة المحلية والدولية المتعلقة بإنتفاضة نوفمبر 2019 على أن ما حدث كان بمثابة “تحول استراتيجي كبير” بين الشعب الإيراني وحكم ولاية الفقيه.
كانت انتفاضة نوفمبر 2019 انتفاضة جماهيرية هادرة اندلعت مطالبة بالعدالة قامت مشتعلة على يد أكثر فئات الشعب الإيراني الأعزل حرماناً بجميع أنحاء إيران، وحطمت وحرقت قدرات قمع ونهب الملالي وحرس خامنئي، وخشية السقوط صدرت الأوامر كالعادة من بيت خامنئي بإستخدام أقصى درجات القوة والقمع والإجرام لقمعها.
ومن الآثار الاستراتيجية لانتفاضة نوفمبر 2019 كانت صحوة ونهوض الضمير الإنساني في مواجهة جرائم خامنئي البشعة.
وكانت إحدى هذه المجالات والتي تعد في حد ذاتها علامة على الآثار المهمة لانتفاضة نوفمبر 2019 هي عقد محاكمة شعبية في لندن التي تداولت التقارير المروعة لشهود الجريمة وأقارب الضحايا، كما اشتملت على سماع أقوال بعض مرتكبي الجرائم القمعية للمنتفضين.
وقد قالت والدة أحد شهداء انتفاضة نوفمبر 2019 والتي قُدِمَت كشاهد بالجلسات الأخيرة لهذه المحكمة: قالت أن إبنها قد بلغ سن الـ 18 عاما وقت استشهاده، وأصيب برصاصات في رأسه ورقبته يوم 16 نوفمبر، وتم تسليم جثة ابني دون تشريح بعد ثلاثة أيام من مقتله، وهددوا بنبش قبره وإخراج جثته من الأرض إذا قمنا بتغطيتها إعلامياً.
قال الشاهد رقم 436 الذي مثل أمام المحكمة ووجهه مغطى بأنه تعرض للإصابة بجروح بالغة جراء إطلاق النار عليه في 18 نوفمبر 2019 وإنه هو نفسه شَهِد مقتل عدد من المتظاهرين، وقال أنه تم حجزه بالمستشفى وتعرض لجميع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في السجن، وأن عائلته تلقت تهديدات بالقتل.
ومن الآثار والأمثلة الأخرى على ذلك هي شهادة عضو كبير سابق في ما يسمى بالحرس الثوري لنظام الملالي، وقد أماط اللثام عن الجرائم التي ارتكبها القادة والجناة الذين أقسموا بالولاء والتبعية لخامنئي، تلك الجرائم التي هي زاوية وجزءاً معبرا عن حجم طبيعتهم الوحشية الافتراسية.
وشهد هذا العضو الكبير السابق في ما يسمى بـ الحرس الثوري بجلسة الإستماع بمحكمة آبان نوفمبر في لندن الأحد 6 فبراير2022 أن خامنئي أرسل قوات مرتزقة سورية ولبنانية لقمع الشعب الإيراني، وقال الشاهد 600 والذي قدم شهادته عبر الشبكة الإفتراضية:
” لقد قتلوا نحو 850 شخصا في يومين من خلال استخدام القوات اللبنانية والسورية، وأن عدد قتلى عمليات القمع في أحداث إنتفاضة نوفمبر باليوم الثاني من الاحتجاجات قد بلغ 427 شخصا في خوزستان، و 417 شخصا في طهران.
وتابع الشاهد 600:
“لتنفيذ أمر إستخدام الحد الأقصى من القوة والعنف في قمع المتظاهرين في إنتفاضة نوفمبر 2019 الصادر من علي خامنئي تم استخدام القوات اللبنانية والسورية التي كانت تتدرب في ثكنات ما يسمى بقوات الحرس، والعديد من عناصر البسيج على الرغم من كونهم أطفالا وصغارا في السن إلا أنهم كانوا مجهزين بأسلحة قتالية خلال الاحتجاجات وكانوا يطلقون النيران بكثافة في كل مكان في الهواء وعلى الناس للتنفيس عن حماسهم، وفي اليوم الثالث للإنتفاضة سُمح لقوات البسيج باستخدام الأسلحة القتالية”.
يرتبط جزء من اعترافات وشهادة هذا العضو السابق بالحرس بما جرى وراء الكواليس في مراكز الاعتقال وخصائص وحدات عمليات القمع في انتفاضة نوفمبر 2019 وقد قال لمحكمة نوفمبر الشعبية في لندن بهذا الخصوص مضيفا:
” لقد تم إعتقال ما بين سبعة وثمانية آلاف شخص اعتقلوا في طهران، وكان هناك مركز اعتقال كبير في شارع تختي حيث تم تجريد المئات من الفتيات والفتيان من ملابسهم وضربهم … ، ومن بين هذه الوحدات وحدات “صابرين” و “الإمام علي” وهي وحدات لقمع المتظاهرين، وقد دخلت هذه الوحدات الخاصة عمليات إشتباك مسلح بكثير من المناطق؛ مثل ماهشهر وشوش دانيال وأماكن أخرى في خوزستان وكرج ومشهد وغيرها من المناطق ولديهم صلاحيات مطلقة مثل الوحدة “5000 استخبارات الحرس”؛ أي أنه مسموح لهم بفعل أي شيء وفق هذه الصلاحيات المطلقة، وعلى القوى الأخرى أن تطيعهم، ويخضع أعضاء هذه الوحدة الخاصة لتدريبات مختلفة ومكثفة، ولديهم حتى معسكرات ترفيهية موجودة بالمناطق التي مزقتها الحرب في سوريا ولبنان، ويتم تدريبهم على تدريبات بدنية صعبة من أجل خوض “معركة أخيرة” وهذا المركز هو عبارة عن منظمة مروّعة مرعبة لا تستجيب إلا لخامنئي.”
ويُلاحظ هنا ملاحظة أن بيانات ووثائق حركة مناصرة العدالة التي تم إنتاجها الآن في جميع أنحاء إيران مليئة بالآثار الاستراتيجية لانتفاضة نوفمبر 2019، الإنتفاضة المشروعة التي حسمت أمرها الطبقات المحرومة وضحايا النظام الطبقي الذي صنعه الملالي، لكنهم أوصلوا حكم ولاية الفقيه إلى هاوية السقوط.
لقد أكد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في وقت سابق أن إنتفاضة نوفمبر 2019 قد أخضعت نظام الملالي لحصار اجتماعي ومعضلة سياسية ومأزق قانوني، وأن هذه الديناميكية الاستراتيجية في النطاق الديناميكي المتصاعد لحركة مناصرة العدالة، إلى جانب قتال وحدات المقاومة الباسلة وموجة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية ما هي إلا تيار غليان في سياق انتفاضات الشعب الإيراني لتحديد المصير النهائي المحتوم لولاية الفقيه.