دنیا الوطن – بقلم: حسين داعي الإسلام
عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية:
في السنوات الأربع الماضية ؛ تغيرت العديد من المعايير، وبالنسبة للغرب اتضحت العديد من الحقائق حول أداء وطبيعة نظام الملالي، وأحدثت مرحلة ترامب التي استمرت 4 سنوات والتغييرات الناجمة عن تفشي وباء كورونا وعوامل أخرى؛ بعض التغييرات سواء على الصعيد المحلي الأمريكي أو على الصعيد الدولي والإقليمي لدرجة أنها صعَّبت إمكانية إعادة العلاقات بين أمريكا و نظام الملالي.
كتب توماس لورين فريدمان، الكاتب والصحفي الأمريكي الحائز على ثلاث جوائز من بوليتزر؛ كلمة لبايدن، جاء فيها: “عزيزي السيد بايدن، لم تعد القضية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني”، وأردف قائلًا: ” إن الاتفاق النووي لم يتعرض للخطر منذ لحظة انسحاب أمريكا منه رسميًا في شهر مايو 2018، بل إن نقطة اللاعودة إلى المفاوضات مع هذا النظام الفاشي بدأت عندما شن هذا النظام هجومًا دقيقًا احترافيًا على المنشآت النفطية لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية.
بيد أنه إذا كانت لدي نصيحة أود أن أسديها إلى جو بايدن هي أنه يجب أن يضع في اعتباره أن الشرق الأوسط الآن لم يعد هو نفس الشرق الأوسط الذي كان مشغولًا به قبل 4 سنوات “.
هل المشكلة الرئيسية هي نظام الملالي وتحديدًا خامنئي أم أمريكا؟
إن القضية تكمن في نظام الملالي نفسه وتحديدًا في خامنئي قبل بايدن أو أي فرصة مواتية أخرى محتملة بعد الانتخابات الأمريكية أو سياسة الاسترضاء الأوروبية. هل كانت رغبة ترامب وهدفه شيئًا آخر أكثر من التفاوض مع النظام؟ ألم يحاول ترامب حتى آخر لحظة أن يقنع نظام الملالي بالتفاوض؟
هذا وتؤكد كل من أمريكا وأوروبا للولي الفقيه أن كلا من المفاوضات ورفع جميع العقوبات أمر ممكن، لكن يجب عليه أن يتبع قواعد اللعبة والتفاوض، وتحديدًا في عام 2021.
وأن يخضع لمطالب الطرف الآخر، ويلفتون نظره إلى أن الظروف الآن ليست كما كانت عليه في عام 2016، ويذكرونه بأنه أصبح على الحديدة ويعيش على البلاطة في جميع المجالات، وتحديدًا في المجال الاقتصادي.
ويذكرونه بانتفاضة الشعب والمقاومة وجيش الجياع وبأن المجتمع المنقسم إلى قطبين الأول 96 في المائة وهو الشعب المطحون والثاني 4 في المائة وهم المرفهون سارقو ثروات البلاد من الممكن أن يجره في أي لحظة إلى حلبة التحدي، وبأنه ليس لديه القدرة على حل أي أزمة من أزماته الاجتماعية من قبيل الفقر والبطالة والفساد والدعارة والإدمان والفيضانات ووباء كورونا، وغير ذلك من الأزمات المستعصية الحل.
وبأن أزماته الداخلية لا نهاية لها، وبأنه من داخله لا قيمة له، وأن حماقة وتفكك قوات حرسه التي كانت الركيزة الأساسية لنظامه الفاشي انكشفت للعالم والشعب الإيراني في اغتيال فخري زاده.
وفضلًا عن ذلك كله، فإنه الآن ليس لديه مسدس نووي ولم يتبقى له شيء من وخزة السكين وسيف الإرهاب والقدرة الإقليمية.
وسألوه فيما إذا كان بإمكانه أن يقول لهم بأي دليل وبأي منطق يجب عليهم أن يرفعوا العقوبات من جانب واحد دون إجراء أي مفاوضات؟
هل جوهر القضية هو التفاوض من عدمه أو الصراع على استراتيجيتين؟
فيما يتعلق بقضية الاتفاق النووي وبايدن، نجد أن صراع الفصائل وصل إلى ذروته. ويبدو أن الصراع على التفاوض من عدمه يدور خلافًا لمبدأ الصراع على الانتخابات بشأن استراتيجيتين مختلفتين تمامًا داخل نظام الملالي.
وقضية التفاوض والاتفاق النووي تضفي عليه الموضوعية.
وفي أكثر الحالات عمومية؛ نجد هناك استراتيجيتين وانتخابين أمام الولي الفقيه من أجل الحفاظ على النظام وإطالة عمره، وهما: الأول: مماشاة أمريكا وتقبل كافة العواقب الناجمة عن هذا المسار. والثاني: اختيار سياسة الانكماش، أي استراتيجية المقاومة على حد قولهم.
وبناءً عليه، فإن موضوع بايدن وأمريكا ليس مجرد تحديد السياسة الخارجية فحسب، بل هو المسار المستقبلي لنظام الملالي. ومن هذا المنطلق، من المتوقع حدوث صراع وجدال خطير وتصاعد الصراعات أكثر من ذلك.
وتعتقد الزمرة المسماة بزمرة الإصلاحيين أن نظام الملالي لا يمكنه أن يواصل حياته بدون أمريكا وتؤمن أن هناك حاجة ماسة للمظلة الأمريكية بناءً على القمع والسجن و الإعدام والحد الأدنى الاستعراضي لمراعاة حقوق الإنسان.
وتؤمن هذه الزمرة الاجرامية بأنه من الممكن مضاعفة ارتكاب المذابح والقمع في ظل سياسة الاسترضاء مع الغرب وإنقاذ نظام الملالي من منحدر الإطاحة. وتوصلت هذه الزمرة إلى حقيقة مطلقة مفادها أن نظام الملالي في طريقه إلى الإطاحة وليس من المتصور أنه أمامه أي خيار آخر سوى الخضوع لمطالب أمريكا والغرب.
ويطالبون خامنئي بتجرع كأس السم الخطير من أجل الحفاظ على النظام وتعزيز المرونة البطولية بتجرع كأس السم ببطولة أسوة بما فعل خميني الملعون.
والزمرة المهيمنة التي ترى أكثر من الزمرة المغلوبة على أمرها أن نظام الملالي على وشك مواجهة الانتفاضة والثورة والإطاحة؛ تعتقد أن جسد ولاية الفقيه المنهار المسن غير قادر على تجرع كأس السم أو الاستئصال، وبدخوله هذا الوادي سيتفكك وثاق نظام الملالي.
وهذه الزمرة سعيدة قبل كل شيء بجهاز القمع والإبقاء عليه قويًا، وتعلم أن التقرب لأمريكا بالركوع على الركب الدامية سيسفر بلاشك عن انهيار وسقوط الباسيجيين والقوات القمعية بشكل غير مسبوق.
ويعلمون علم اليقين أن الاستمرار في هذا المسار سوف يجبرهم على سحب قوات حرس نظام الملالي من سوريا والعراق ولبنان، أي أنهم يجب عليهم التضحية بنقاط ارتكاز سلطة نظام الملالي الإقليمية، كما يعلمون جيدًا أنهم يجب عليهم في نهاية المطاف التراجع في مجال الصواريخ وحتى المشروع النووي، بمعنى أنهم سيصبحون وحشًا محطمًا بلا مخالب وأنياب.
ويعلم خامنئي أكثر من الجميع أنه في مثل هذه الظروف لن يعد للولي الفقيه مكانًا، وأن هذا النظام يجب عليه أن يتجرع كأس السم أثناء الانتفاضة وثورة المتمردين قبل وصول الترياق الأمريكي.
وبطبيعة الحال، فإن التناقض في هذه الزمرة يكمن في أنها تخشى التوجة نحو ذلك الوادي، بيد أنها من ناحية أخرى، لا تملك القدرة على حل الأزمة الاقتصادية للمجتمع.
لذا، فإن الصراع على التفاوض من عدمه ليس صراع على تحديد السياسة الخارجية لنظام الملالي، بل هو صراع بين استراتيجيتين من أجل بقاء نظام الملالي.
والجدير بالذكر أن نتيجة الصراع بين الزمرتين الحاكمتين غير ناشئ عن طبيعتهما المختلفة، بل هو ناشئ عن التقدير المختلف للظروف والاستراتيجيات المختلفة التي تدخر المزيد من الوقت لبقاء النظام الفاشي.