خامنئي وخوفه من تعرض أمن النظام لخطر
حدیث الیوم
بعد ثلاثة أسابيع من الغیاب والصمت، أطل خامنئي في حفل تخرج مشترك لطلاب الجامعات العسکریة للقوات المسلحة يوم الاثنین 12 أکتوبر، عبر آلیة الفیدیو کنفرانس. وأشار في خطابه إلى هاجسه الرئیسي أي الأمن، مشدداً على “الأهمية الحيوية للأمن”، وبهذا أفصح عن مدی خوفه من اندلاع انتفاضة شعبیة.
قائمة أزمات النظام وفقاً لخامنئي
وحاول ولي فقیه النظام أن يشير بكلمات ناعمة إلى الحقائق القاسية والمریرة المتعلقة بالأزمات المستعصیة المحیطة بنظامه من کل الجهات، فقدّم -دون قصد- قائمة بتلك الأزمات:
القضايا الاقتصادية ترزح تحت وطأة الضغط. الآن لدينا مشاكل في المجال الاقتصادي، ومعيشة الناس في ورطة.
توجد مشكلة في القدرة الإدارية لدی بعض الأقسام، نحن ندرك أن القدرة الإدارية في بعض قطاعاتنا الاقتصادية ضعيفة.
قيمة العملة الوطنية تنهار بشکل متواصل.
هناك خروقات كالتهريب، والواردات غير الشرعية وبعض الفساد المالي. هذه الخروقات تمنع تحقیق النتائج المرجوة من الأعمال.
هذا واعترف الولي الفقیه العاجز بتدهور الوضع الداخلي للنظام وبخوف وعجز كبار قادة نظامه، وقال: «الجبناء لا يحق لهم أن يذکروا تسمیة “العقلانية”. الخوف والهروب وإخلاء الساحة لا يسمى عقلانية. بالطبع العدو يحاول تلقین العقلانية بالمعنى الخاطئ، والبعض يكرر أحياناً كلمات العدو دون قصد».
وهكذا قدم خامنئي صورة عن حالة رکاب سفینة ولایة الفقیه المحطمة.
الوضع الداخلي المتدهور لقوی النظام
أما الصورة الأخرى التي قدمها خامنئي في خطابه بشکل ضمني، فتعود إلی الوضع الداخلي والهیکلي المخیب للآمال لقواته. في هذا الصدد دعا الشباب للالتحاق بالأكاديميات والجامعات العسكرية وقال: «الدراسة في الجامعات العسکریة وجامعات قواتنا المسلحة من أشرف الأعمال وأكثرها قيمة. لأنه من خلال الدراسة في هذه الجامعات، سينضم شبابنا إلى القوات المسلحة التي تضمن أمن البلاد، والأمن قيمة عالية وأساسية للغاية وعنصر حيوي للبلاد».
بهذه الكلمات، أقر خامنئي بوجود ثغرتين رئيسيتين في نظامه؛ الأولی هي الأمن والثانیة هي رفض وإحجام الشباب عن الالتحاق بقوات النظام المسلحة. والحقيقة أن النظام مكروه ومنبوذ في المجتمع للغاية لدرجة أن الشباب، وحتى في أصعب ظروف أزمة البطالة وحاجتهم الماسة إلی رغیف خبز، يفضلون الذهاب إلى الفراش بمعدة فارغة والعمل في أعمال شاقة علی أن يقعوا تحت وصمة حمل السلاح من أجل هذا النظام.
لهذا السبب يشكو قادة النظام بصوت مرتفع من تراجع مكانة القوات المسلحة، ويعترفون صراحة عبر وسائل الإعلام الحكومية أن هيكلهم التنظيمي في الحرس والباسيج فارغ لأن لا أحد يريد الانضمام إلى الباسيج. وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت خامنئي یأنّ من ألم “الأمن”، مثله مثل جميع قادة النظام وقادة الجيش.
كورونا، من مسألة صغيرة وعابرة إلى بلاء كبير!
وكانت قضیة کورونا هي القضیة الأقل أهمیة وحظوة في خطاب خامنئي. في هذه الخصوص ألقى باللوم على الناس في كل شيء بحقارة منقطعة النظیر حیث قال: «أحياناً تتسبب بعض الرحلات في تفشٍ جامح لا يمكن السيطرة عليه، وهو أمر مؤسف حقاً. لذلك، يجب على الجميع توخي الحذر سواء بالأقوال أو بالأفعال».
كما أيد مسألة الغرامات التي فرضها روحاني علی الشعب باسم مکافحة كورونا والالتزام بالمعاییر الصحیة، وما هي في الواقع إلا طریقة مبتکرة لنهب جیوب الشعب وسدّ فجوة عجز الميزانية، وقال: «يجب أن تكون القوانین سيادية وإلزامية» موضحاً أنه قد أخبر روحاني وبقیة المسؤولین بذلك منذ فترة.
لكنه في غضون ذلك، أشار إلى جائحة کورونا على أنها “بلاء كبير”، ويبدو أنه نسي أنه في الثالت من مارس 2020، وصف فیروس کورونا أولاً علی أنه “فرصة” و”نعمة”، وثانیاً علی أنه مجرد مسألة عابرة لا ينبغي تضخیمها!
هل هذه المقدمة تعني نهاية استغلال وباء كورونا للحفاظ على نظام ولایة الفقیه ودرء خطر الإطاحة به من خلال الخسائر البشرية الهائلة؟
الحلول الإجرامیة المتناقضة وسط الأزمات
وأشار ولي فقیه النظام هذه المرة إلى حلول لأزمات النظام المستشریة. الحلول التي كشفت -من سخرية الأقدار- عن خلو جعبته وفضحت فقدان الحلول الاستراتيجية لنظامه.
علی سبیل المثال، قال: «على الجميع أن يعلم أن علاج كل المشاكل یکمن داخل البلاد. العديد من مشاكلنا تتعلق بخارج البلاد، لكن علاجها في الداخل»، لکنه في الوقت نفسه تطرق إلی أزمات الولایات المتحدة کمحاولة منه للفرار من الإجابة، وتحدث بتفصیل سخیف عن «عجز المیزانیة في الولايات المتحدة، وملايين المشردين والجياع والمحرومین تحت خط الفقر في الولايات المتحدة، ووضعها الاقتصادي المتدهور، وتزايد ديونها».
وبغض النظر عن کل هذا، فقد لجأ خامنئي في الآونة الأخیرة إلى سلسلة من المناورات والعروض السياسية والاجتماعية لتغطیة أزمات النظام والتستر علیها.
فمن الناحية الاقتصادية، وعد البنك المركزي بضخ عدة ملايين من الدولارات يومياً في السوق للتحكم في سعر الصرف.
وفي السياق الاجتماعي، لجأت القوى القمعية للنظام إلى عروض في الشوارع تقوم خلالها بتعذیب الشباب بتهمة البلطجية من أجل إرساء الأمن في النظام، وقد صرحت عناصر الحرس التابعة لخامنئي أنها تفعل ذلك بأمر منه.
هذا ووعد أئمة الجمعة المنتسبون إلی خامنئي صراحة بجعل الفضاء العام غير آمن للنساء.
ودشن قضاة خامنئي آلة إصدار أحكام الإعدام وبتر الأطراف.
لكن هذه المناورات والأفعال غالباً ما تكون متناقضة بشكل غريب وتحييد بعضها البعض، بینما یعجز النظام -بأي حال من الأحوال- عن اتباع وتنفیذ سياسة منسجمة واضحة المعالم.
على سبيل المثال، سارع أئمة صلاة الجمعة إلی إنكار أقوالهم في اليوم التالي، عقب اشتداد عاصفة الغضب والاحتجاج على تصریحاتهم الإجرامية.
كما دافع قائد شرطة طهران عن نفسه أمام هذه العاصفة الاجتماعية، قائلاً إن إجراءاتنا تمت بالكامل بإذن من السلطة القضائیة، وأن الجلاد رئيسي، رئیس القضاء، وعد بمحاكمة عناصر الأمن الذین تقاعسوا عن تنفیذ الأوامر.
تفضح هذه السياسات المتناقضة بوضوح محنة النظام المذعور والمرتبك الذي يواجه مأزقاً حاداً في كل المجالات. أما الديكتاتور فإنه لا یملك أي منفذ للخروج من هذا المستنقع، ومن المفارقات أن کل محاولة منه تزيد الوضع سوءاً لدرجة أن أعضاء مجلس الشوری، ونظراً إلی أنهم لا یجرؤون علی استهداف ومخاطبة خامنئي بشکل مباشر، حذروا روحاني بجدیة وطلبوا منه عدم قول وفعل أي شيء في الأشهر القلیلة القادمة حتی یهدأ الوضع قلیلاً.
أليس هذا الوضع علامة علی الاقتراب من المحطة النهائية؟