رؤیة هلال العید، مظهر جدید من مظاهر الانقسام وإضعاف موقف خامنئي
کاتب:كلمة الموقع
حديث اليوم
رغم إعلام خامنئي أنّ الأحد هو أول أیام عيد الفطر المبارك، إلا أنّ مرجعیات دینیة کبری في “قم” منها مكارم شيرازي، ووحيد خراساني، ونوري همداني، وعلوي جرجاني، وسبحاني، وصافي کلبايکاني، أعلنت أنّ یوم الأحد هو مکمل لشهر رمضان وأنّ الاثنین هو أول أیام عيد الفطر في إيران في مخالفة واضحة للولي الفقیه.
لکن بعض من هؤلاء، مثل مكارم شيرازي ووحيد خراساني ونوري همداني وعلوي جرجاني قد تراجعوا عن موقفهم تحت ضغط عناصر خامنئي وعملائه، حیث أکدّوا -قبل ظهیرة الأحد- ثبوت رؤیة هلال شهر شوال لیکون الأحد أول أیام عید الفطر، بید أنّ إثنین من المراجع الدینیة هما سبحاني وصافي کلبايکاني، أصرّا علی موقفهما المعارض وأعلنا أنّ الاثنین هو أول أیام عید الفطر في إیران.
رؤية الهلال قضية فقهية أم سياسية؟
بلغ الاختلاف والانقسام حول رؤیة هلال العید مرحلة دفعت المعمّم موحد نجاد، عضو لجنة الاستهلال الإیرانیة التابعة لمكتب خامنئي، إلی تقدیم توضیحات في هذا الصدد، فقد صرّح الأخیر قائلاً إنّ تشخیص اليوم الأول من الشهر لیس أمراً حكومياً إنما یعود إلی خلافات فقهیة جملةً وتفصیلاً، ويجب على کل شخص الرجوع إلى فتوی فقیهه الخاص.
إذا كانت القضية، كما يقول هذا المسؤول الحکومي، هي قضية فقهية ودينية بحتة، سیکون العذر أقبح من الذنب.
لأنه وفقاً لفقه الملالي، إذا رأی شخص عادل وصادق الهلال، فستکون لدیه حجة علی الناس، وفي حال أعلن شخصان عادلان وصادقان رؤیة الهلال ستکون لدیها حجة مطلقة.
بناءً علیه عندما يخالف عدد من المراجع الدینیة إعلان خامنئي ولجنة الاستهلال التابعة له رؤیتهما للهلال، فهذا يعني أنّ تلك المراجع لا تقبل خامنئي وجهازه ولا تعتبرهما عادلین وصادقین.
لذلك، فإنّ جميع تلك المرجعیات الدینیة التي رفضت في البداية إعلان خامنئي عن رؤية الهلال، قد اتفقت علی رفض فتوی خامنئي وعدم الاعتراف بعدالته وحجته، على الرغم من أنّ عدداً منها تراجع عن موقفه المعارض في وقت لاحق وأفتی برؤیة الهلال مرغماً.
الحقيقة أنّ قضية رؤية الهلال كانت منذ القدم قضية سياسية وحكومية أکثر من کونها قضية فقهية.
لذلك، أنشأ خامنئي لجنة ضخمة في جميع أنحاء البلاد بـ 200 قاعدة وبميزانية تبلغ مئات الملايين تدُعی لجنة الاستهلال، ليتمكّن من فرض رأیه في رؤیة الهلال باعتباره الموعد والمضمار الأهم لعرض العضلات وتضارب الآراء بین العلماء والمراجع الشیعیة.
ومع ذلك، يبدو أنّ ضعف موقف خامنئي بلغ درجة جعلت المرجعیات الدینیة في قم ترفض رأیه ورأي لجنته الکبیرة وتبدي معارضتها کالحدّ الأدنی من الرفض.
موقف خامنئي الهشّ في الحوزات
الحقيقة الأهم أنّ أياً من الملالي والمراجع الکبار لا يقبل خامنئي كمرجع ويعتبره رجل دين وملا من الدرجة الثالثة أو الرابعة في التسلسل الهرمي لما یُسمی بالحوزات الدینیة.
وهي حقيقة اعترف بها خامنئي نفسه في اجتماع مجلس الخبراء عندما أراد رفسنجاني أن يولیه زمام الأمور ویعّینه الولي الفقیه بعد موت خمیني مباشرة خوفاً من هجوم جيش التحرير الوطني.
حینها اعترف خامنئي قائلاً: «إذا أصدرتُ حكماً لاحقاً، هل سيقبله السادة المراجع؟ طبعاً لا يقبلونه!». الحقیقة التي أضطرّت قادة النظام آنذاك على تغيير الدستور وإزالة شرط الاجتهاد للقيادة وللولي الفقیه، حتى تكون الولایة علی مقاس علي خامنئي.
إذن فالمعارضة لخامنئي علی أنه الولی الفقیه والمرجع الدیني کانت ولا تزال قائمة في الحوزات الدينية، مما یضطرّ خامنئي باستمرار إلی اتباع أسالیب الترغیب أو الترهيب في سبیل تحقيق أهدافه الخاصة علی صعید الحوزات.
بمعنی أنه إما یستمیل المرجعیات الدینیة ویرضخها لطاعته بتقدیم تنازلات اقتصادیة کبیرة لها وترك أيدي أنصارها وعملائها مفتوحة في النهب والسرقة، وإما یفرض سلطته وهیمنته علیها عبر عناصره القمعیة في الحوزات مثل الشيخ محمد يزدي والمعمّم أحمد خاتمي، أو عبر محاکم الملالي الخاصة وعناصر قوات الحرس و الباسيج وعصابات الهراوات والعصي.
على سبيل المثال، عندما أصدر أحد المراجع یُدعی الشيخ يوسف صانعي، فتوى ضد خامنئي وإجراءاته القمعیة خلال انتفاضة عام 2009، هاجم أصحاب الهراوات التابعون لخامنئي مكتب صانعي ودمّروه، وهو ما فعلوه بمکتب منتظري لکن بوحشیة أکثر. أما الملالي الأقل رتبة ممن قد تبدر منهم معارضة ولو صغیرة لخامنئي، فیعاقبون بالسجن والعزل.
في المجموع، فإنّ الأحداث والمستجدات السياسية والاجتماعية هي التي تلعب دوراً حاسماً في توازن القوى بين خامنئي وأغلبية رجال الدين وطلبة الحوزات، حیث إنّ الأصوات المعارضة لخامنئي تعلو داخل الحوزات وتطفو علی السطح کلما تراجع وضعف موقف خامنئي في الساحة السياسية.
بداية التراجع الخطير لموقف خامنئي ومکانته
كانت انتفاضة نوفمبر 2019 حدثاً ذا تأثیرٍ نوعي قوي على الإخلال بتوازن القوى ضد خامنئي في الحوزات، ومنذ ذلك الحین والضربات المتتالیة التي طالت خامنئي ونظامه، جعلت موقفه ضعیفاً وهشاً في الحوزات بشکل غير مسبوق، حتی أصبحنا الیوم نری مرجعاً دینیاً حکومیاً بحجم مكارم شیرازي الذي لطالما دعم جمیع سیاسات خامنئي وممارساته الإجرامیة، قد تجرّأ وتطاول علیه وخالفه في قضیة رؤیة هلال العید.
النتيجة هي أنّ معارضة المرجعیات لخامنئي حول رؤیة الهلال، ما هي إلا دلالة واضحة على ضعف موقف خامنئي الشدید علی نطاق الحوزات.
ومن المتوقّع حصول معارضة أشدّ وأعمق للنظام ولخامنئي نفسه في المستقبل داخل الحوزات نظراً إلى وقوع النظام في منحدر السقوط.