إحياء لذكرى طلائع الحرية، أبطال 19 نيسان (أبريل) عامي 1972 و1975 المجاهدون الشهداء السباقون: علي باكري وناصر صادق وعلي ميهن دوست ومحمد بازركاني وكاظم ذو الأنوار ومصطفى جوان خوشدل الذين بسطوا السجاد الأحمر تحت أقدام ربيع الشعب وأشعلوا نبراس الكفاح المسلح في دياجير الظلم والطغيان صوت الأبطال المدوي على مر الزمن أمام محكمة الشاه العسكرية: الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرر الشعب المكبل الرازح تحت سلطة الحراب
أتذكر الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل من أحد الأيام في أواخر شهر شباط (فبراير) عام 1972 حيث نقلونا من سجن «إيفين« لقراءة أحكام الإعدام. كل من الشهداء عندما يسمع نص الحكم الصادر عليه بالإعدام كان يقرأ آية من القرآن الكريم أو يردد شعارات دينية بصوت عال. فقال ناصر: «بسم الله القاصم الجبارين…«. وتلا الشهيد محمد بازركاني: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا«. وعند ما جاء دور الشهيد ميهن دوست صرخ بنفس السياق تاليًا الآية: «فأما الزبد فيذهب جفاء». وهكذا «شق طريق الجهاد» كما قال المرحوم آية الله طالقاني، وسوف تشق وتفسح أكثر فأكثر. لأننا مستعدون للمزيد من التضحية وتقديم المزيد من هؤلاء الشهداء. إذا كان الهدف هو الذود عن العقيدة والثورة وخدمة الشعب وكسب رضا الله، فدع تراق دماؤنا كأنهار هادرة».
(مسعود رجوي – نيسان 1980)
في بستان الشقائق الحمراء للشهداء الذين هم المبشرون بحلول ربيع حرية وإعمار إيران الخالد على مر العصور مكانة ممتازة للذكرى الخالدة للشهداء الأربعة في 17 نيسان (أبريل) عام 1972.
بعد نحو 6 أشهر من المداهمة الواسعة التي شنتها قوات شرطة الشاه السرية (السافاك) في شهر أيلول (سبتمبر) عام 1971 على مقرات المجاهدين واعتقال عدد كبير منهم، اضطرت السافاك إلى إقامة محكمة علنية لمحاكمة المجاهدين يحضرها صحفيون من الداخل والخارج بفعل الضغوط الدولية على نظام الشاه خاصة نتيجة الجهود الدؤوبة التي مارسها الشهيد الكبير من أجل حقوق الإنسان الدكتور كاظم رجوي، علمًا بأنها كانت محكمة تعقد تحت سيطرة تامة لعناصر أمنية.
وقد مثل أمام هذه المحكمة الموصوفة بالعلنية كل من المجاهدين الشهداء: ناصر صادق وعلي ميهن دوست ومحمد بازركاني والأخ المجاهد مسعود رجوي أعضاء اللجنة المركزية لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية كمتهمين رئيسيين ومعهم آخرون من الإخوان المجاهدين. ومن جانب آخر كانت هذه المحكمة تتابع هدفًا آخر وهو: إضعاف معنويات المجاهدين والثوار آنذاك وكذلك زعزعة إيمان الشباب بمصداقية نهج الكفاح المسلح ضد النظام الملكي الديكتاتوري. ففي النظرة الأولى كان يبدو أن كل شيء قد تم ترتيبه وإعداده وفق السيناريو الذي صاغته السافاك.
إلا أن المرافعات الحماسية للمجاهدين والتي كانت كل منها وطبقًا لخطة أعدت مسبقًا قد كرست لموضوع محدد ليست فقط قد تحولت المحكمة إلى محكمة للنهابين الحاكمين في إيران وإنما دفعت رئيس المحكمة والسافاك إلى الكشف عن طبيعتهما وعرض مثال تام عن انتهاك حقوق الإنسان أمام أعين مراسلي وسائل الإعلام الدولية.
فقد تحدث «ناصر صادق» عن السجل التاريخي للحركة والنضال في إيران من ثورة الدستور حتى ضرورة الكفاح المسلح، وتناول «علي ميهن دوست» في مرافعته تعريف إيديولوجية مجاهدي خلق، وقدم «محمد بازركاني» تحليل المجاهدين لسياسات النظام الاقتصادية وفشل إصلاحات النظام الزراعية والاستعداد الشعبي لممارسة الكفاح المسلح، وألقى الأخ المجاهد مسعود رجوي الحديث في مجال شرعية ومصداقية النضال الذي خاضه المجاهدون بالإضافة إلى نفي التهم الموجهة من قبل العدو وإدانة سياسات نظام الشاه ونهب الثروة النفطية من قبل نظام الشاه الديكتاتوري التبعي.
وفي هذه الجلسة من المحكمة كشف الأخ المجاهد مسعود رجوي النقاب عن مؤامرة النظام حيث قال إن «السافاك« تريد وبالإيحاء كذبًا أن هذه المحكمة علنية أن تحكم على مؤسسي المنظمة بالإعدام وذلك خلف الأبواب الموصدة، ولإثبات ذلك خاطب رئيس المحكمة قائلاً له: قلت مرات عديدة إن هذه المحكمة ليست علنية وإن الصحف لا تنشر مرافعاتنا وما نشرته هو عكس ما تتضمن هذه المرافعات. وأجاب عليه رئيس المحكمة الذي كان عميلاً عسكريًا للشاه ويتخوف من افتضاح أمر النظام، قائلاً: «كلا، بل إن هذه المحكمة محكمة علنية! والدليل على ذلك هو وجود صحفيين أجانب فيها«. وقال الأخ المجاهد مسعود رجوي: «أكرر، إن هذه المحكمة ليست علنية، بل هي مؤامرة. ولكن إذا كنتم تصرون على أن هذه المحكمة علنية فدونك مرافعتي المكتوبة، وأعطيها للمراسلين الأجانب ليعي العالم ما يجري في محكمة الشاه الخائن«.
ثم توجه نحو مراسل سويسري وأعطاه أوراق المرافعة. فانهار الموقف كله فجأة في المحكمة ودخل رجال السافاك قاعة المحكمة وطلبوا من المراسل الأجنبي أن يسلمهم أوراق المرافعة ولكن المراسل امتنع عن تسليم الأوراق فاعتقلوه واقتادوه معهم إلى السجن ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن انتزعوا منه كل أوراق المرافعة والأوراق التي كان قد سجل عليها وقائع ومجريات المحكمة. ولكن المجاهدين أخرجوا نصوص هذه المرافعات من السجن والمحكمة بفضل ذكائهم وباستخدامهم إمكانيات أخرى.
فتم استنساخ وتوزيع هذه النصوص في المحافل الطلابية والنضالية مما ساهم بدور كبير في رواج فكرة الكفاح المسلح وجعلها فكرة عامة ولم تستطع السافاك قط أن تمنع وباستخدام جميع إمكانياته من تفجر هذه الموجة العاصفة. وفي الفجر الدامي ليوم 19 نيسان (أبريل) 1972 نفذت أحكام الإعدام الصادرة بحق كل من المجاهدين الشهداء علي ميهن دوست ومحمد بازركاني وناصر صادق وعلي باكري.
ولكن الأخ المجاهد مسعود رجوي حكم عليه بالسجن المؤبد بفضل الجهود الدؤوبة والنشاطات الإعلامية على الصعيد الدولي التي مارسها الشهيد الكبير من أجل حقوق الإنسان الدكتور كاظم رجوي، فكتب في وقت لاحق في رسالة وجهها إلى رفاقه وأرسلها إلى خارج السجن، قائلاً:
«بصفتي مجاهدًا متواضعًا وبحكم واجبي الثوري والانضباط التنظيمي كنت قد استعددت للتضحية بأرخص ما أمتلك أي حياتي من أجل ثورة هذا الشعب العظيم… ولكن مصالح النظام الديكتاتوري الحاكم خاصة في خارج إيران قد حرمتني في الوقت الحاضر من هذه السعادة الخالدة… ولكن ما يهمني في هذه اللحظات هو أن أجدد العهد مع شهداء الشعب المضرجين بدمائهم والذين وفي اللحظات الأخيرة من حياتهم قبلت بشفاههم المحمومة وسمعت نبضات قلوبهم التي لم تنبض إلا من أجل تحقيق سعادة الشعب وحريته حيث أدينا اليمين جماعيًا للصمود حتى النصر».كما استشهد كل من المجاهد كاظم ذو الأنوار ومصطفى جوان خوشدل في 19 نيسان (أبريل) 1975 في مجزرة بشعة ارتكبها جهاز مخابرات الشاه (سافاك).
وكان المجاهد الشهيد كاظم ذو الأنوار من أبرز الكوادر المتقدمة للمنظمة في السجن وقد نجح لمدة ما في أن يظهر بمظهر سجين سياسي اعتيادي وأن يجمع من داخل السجن كثيرًا من المعلومات حول عناصر شرطة الشاه السرية (سافاك) حيث استخدمت هذه المعلومات في عدد من العمليات التي نفذت خلال تلك الفترة. وأماّ المجاهد الشهيد مصطفى جوان خوشدل فكان من أبطال المقاومة والصمود تحت أساليب التعذيب الوحشية.وكان مصطفى من المجاهدين الذين يعملون في تنظيمات « البازار« (السوق) في المنظمة حيث كانت له ارتباطات شعبية واسعة وأدى دورًا هامًا في تعريف المنظمة لمختلف شرائح المجتمع الإيراني… فحاليًا في ذكرى ذلك الفجر الدامي نحيي ذكرى أولئك الأبطال الأباة الذين حقًا شقوا الطريق أمام الثورة المناهضة للملكية. إنهم أشعلوا جذوة الكفاح المسلح في وقت لم يكن يومض فيه أي ضوء في درب الحرية والتحررية.
وفي الوقت الذي كان فيه جميع المتشدقين زيفًا بالنضال قد اعتمدوا نهج الاستسلام والتخاذل أمام نظام الشاه لقد وضع رواد الحرية أرواحهم على أكفهم وتركوا الدار والديار لسلوك درب الحرية حاملين الأسلحة النارية متطلعين إلى الغد المشرق لتحرر وطنهم إيران في مهمة صعبة تتطلب الإيمان والوعي والخبرة والأهلية وإرادة صلبة وعزمًا لا يلين تحلى بهما الرجال الليوث الجبال الراسخة الشامخة الذين «شقوا طريق الجهاد وانبثقت عن دمائهم سيول.