السياسة الكويتية – أحمد الدواس: يقدم التاريخ لنا الدروس والعبر، فقبل ألف عام ونيـف سكنت قبائل أرض الدنمارك سُميت بـ “فايكنغ”، وكان هؤلاء مغامرين ركبوا البحار واحتلوا أراضي كثيرة في غرب أوروبا ومعظم أراضي انكلترا، ودخلت الدنمارك في حروب كثيرة مع السويد بلغت 11 حرباً، بل ان حرباً واحدة فقط استمرت بينهما مدة 200 عام فقط ليُثبـت هذا الملك أو ذاك تفوقه الشخصي أو العسكري، وفي بعض الأحيان كانت تُشن الحروب بينهما لسبب غير سياسي، واتخذت الحروب مُسميات مثل: حرب الدنمارك والسويد، حرب السويد في الانفصال، حرب السنوات السبع، حرب كالمـار، حرب تورســتــنســن، وحرب بين البلدين على فترتين متعاقبتين، حرب سـكانيان، حرب الشمال العظمى، حرب المسـرح .
بالطبع لايشن هذه الحروب إلا أناس فقدوا رشدهم وأضاعوا جادة الصواب، وبمرور الوقت تبين للدنمارك فداحة الخسائر المادية والبشرية وأن أسلوبها العسكري والسياسي كان خطأ، وان الأفضل لها ان تتصالح مع السويد وان ترمي السلاح لكي يتحقق لمجتمعهما التطور والحياة، وبالفعل فقد تغير البلدان الى الأفضل، بل أُلغيت كل القيود على تحرك الأشخاص بين البلدين دون وثيقة سفر أو هوية شخصية، وقد زرت الدنمارك في صيف العام 1975 فشعرت أنها أفضل بلد أوروبي، إذ تمشي في الشارع كأنك تمشي في حديقة جميلة، والبلد نظيف ويتحدث الدنماركيون بنحو 3 لغات أوروبية، وتشعر بالاحترام والتقدير وبمستوى تعليمي راق.
إن ما تفعله إيران في منطقتنا العربية مشابه لسياسة الدنمارك العدوانية في العصور الوسطى، بينما كان باستطاعة إيران لو أحسنت التصرف سياسياً واقتصادياً ان تكون «سنغافورة الخليج» فتهتم بتنمية وضعها الداخلي وترفع المستوى المعيشي للمواطن الإيراني وأن تجعل المنطقة العربية أسواقـا لتصريف صناعاتها، فالقوة حاليا ليست عسكرية انما اقتصادية، والدليل على ذلك تقدم كوريا الجنوبية وتخلف كوريا الشمالية، وأن تستفيد من الدرس الدنماركي السويدي، لكن ايران لم تفعل ذلك وأججت مشاعر المنطقة نحوها .
لعل من أفضل الأصوات الإيرانية “العاقلة” ماورد على لسان مير محمود موسوي المدير السابق لشؤون آسيا الغربية في وزارة الخارجية الإيرانية عندما قال، قبل اسبوعين، إن نجاح النظام وميليشياته في حلب، إنما هي فرحة ليلتين فقط، بعدهما يجب علينا أن نقلق للثلاثين عاماً المقبلة.
وأضاف موسوي في حوار مع صحيفة الشرق الإيرانية، أنه يرى الأوضاع «سوداء جداً « فعندما طردت أميركا حركة طالبان من العاصمة الأفغانية كابل، في ظل صمت إيران أو بدعم منها، فرح البعض معتقداً أن المشاكل قد انتهت، ولكني كنت على يقين بأنها بدأت منذ تلك اللحظة، فمقتل 300 ألف شخص وتهجير ونزوح 12 مليوناً آخرين (في سورية) لا يولد إلا الكراهية والعنف وإن 10 ملايين عائلة (سورية) ستعيش الكراهية والبغضاء، وهذا يحتاج إلى حل على مدى عقدين من الزمان، ورأى موسوي أنه لا بد من وجود الأمن والسلام في سورية والعراق وأفغانستان كي يسود الأمن داخل حدودنا (إيران) فإذا لم تتمتع هذه الدول بالأمن والاستقرار، فإن أمننا مهدد وسيكون تقدمنا ورفاهيتنا بمثابة الأمر الصعب.
نعم لقد صدق هذا الديبلوماسي الإيراني في تحليله، فالسياسات الإيرانية في المنطقة العربية جلبت كراهية الشعوب ضدها مايهدد أمنها مستقبلاً فتصبح هي الخاسر الأكبر على المدى البعيد، وكان بإمكان ايران أن تكسب كثيراً لوفكرت بماقلناه وبالدرس الدنماركي السويدي.
سفير كويتي سابق