جميل النمري:الحرب العربية الإيرانية الأولى دامت عشر سنوات على جبهة العراق، أمّا الحرب الثانية المحتملة الآن فسوف تكون حربا بالوكالة في لبنان. فالأمور تتجه الى مزيد من التصعيد الخطير وحزب الله بما يحوز عليه من سلاح وامكانيات هائلة تمدّه بها ايران قد يكون قادرا في المدى المباشر على سحق خصومه.
اصطفافات الحرب الأهلية اللبنانية الأولى تختلف جذريا عنها الآن فقد كان الانقسام طائفيا داخليا، وهو الآن انقسام وطني عابر للطوائف، رغم وجود الكتلة الأساسية من كل طائفة على أحد جانبي الصراع، والكتلة المركزية للمعارضة المدعومة من ايران وسورية يمثلها حزب الله فيما السنّة يمثلون القوّة المركزية في الائتلاف الآخر الذي سيعتمد على الدول العربية وعلى رأسها السعودية.
حزب الله الآن في وضع قوي يؤهله لهزيمة خصومه، لكن المعادلة الداخلية اللبنانية لا تحتمل حسما نهائيا لطرف، والدول العربية باستثناء سورية لن ترضى بذلك، وسوف تضطر لدعم وتسليح الأطراف السنيّة والدرزية والمسيحية المؤتلفة (قوى 14 آذار) وسنرى حربا طاحنة بالوكالة لا يملك أي طرف فيها امكانية السيطرة على كل لبنان ونتيجتها الواقعية ستكون التقسيم وولادة دويلة الأمر الواقع الشيعية على نصف لبنان الجنوبي حيث ستسخر لها ايران دعما هائلا بلا حساب، وكأن التحذير من الهلال الإيراني أقرب الى نبوءة تحققت على الأرض. فقد حسمت إيران المعركة في العراق لمصلحتها بعد عشرين عاما على نهاية الحرب العراقية الإيرانية بواسطة التدخل الأميركي الأحمق ولديها سورية التي أصبح نظامها اسيرا لهذا التحالف من موقع الضعف والعزلة. وهاهو حزب الله، الذي ترعرع وقويت شوكته شرعيتُه في دور مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، يصبح سلطة مسلحة أقوى من الدولة اللبنانية وقادرا على الاستقلال في كيان خاص اذا نشب الصدام.
هذا السيناريو المأساوي ليس فنتازيا سياسية، بل كارثة محتملة يجب استباقها بكل ما لدى الدول العربية من طاقات، والعرب ليسوا مجرد وسطاء قد ينجحون أو يفشلون، فناهيك عن مسؤولية انقاذ بلد عربي من الدمار الداخلي نحن أمام قضيّة أمن قومي من الطراز الأول، فبعد دمار "الجناح الشرقي" للأمّة العربية تمتد اليد الإيرانية الى قلب وأحشاء الجسم العربي. والعرب لن يفرضوا معادلة منتصر ومهزوم في لبنان لأن التكوين الداخلي لا يحتمل ذلك، لكن يجب فرض حلّ متوازن يمنع العودة الى السلاح وينقذ الشرعية الدستورية.
المسار السلمي سينهي في المدى البعيد مبررات تسلح حزب الله ويجعله حزبا عاديا حتّى لو استمر مرتبطا بطهران. وليت النائب وليد جنبلاط يمسك لسانه عن عبارات كالتي سمعناها أمس "حرق الأخضر واليابس واذا ارادو الحرب فلتكن الحرب". فمن الأفضل، ومهما بلغت درجة الغضب ونفاد الصبر، التمسك بالموقف الشرعي والسلمي والاصرار على رفض العنف والصدام.
ويمكن في أقصى الظروف الدعوة لانتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد، والدستور يتيح ذلك اذا لم ينجح الانتخاب بنسبة الثلثين، ويمكن التلويح بدعوة الأمن العام أو الجيش لإزالة الاعتصام الذي يشلّ وسط بيروت منذ عام ويدمّر الاقتصاد، وهذه خطوات يجب أن تنال دعما عربيا سياسيا و"لوجستيا" اذا فشلت جهود الوساطة الراهنة.