الرأي العام الكويتية – خيرالله خيرالله :لا بد من توجيه الشكر إلى السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله» على خطابه الأخير الذي ألقاه الأحد الماضي في بيروت. من يستمع إلى الخطاب يتأكد من أن الفراغ هو مرشح الحزب لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية. لماذا صار الفراغ مرشح الحزب، بل خياره الأول والأخير؟ الجواب أن الحزب، وهو ليس سوى رأس الحربة للمحور الإيراني – السوري، لا يستطيع، على غرار أسياده في دمشق وطهران، إيجاد بديل عن إميل لحود في موقع الرئاسة. حتى الجنرال ميشال عون، المستعد لكل شيء من أجل أن يصير رئيساً للجمهورية، لا يبدو على استعداد للانحدار نحو ما ذهب إليه إميل لحود في لعب
الأدوار المرسومة له. أثبت ميشال عون حتى الآن أنه لا يستطيع الذهاب إلى أبعد من تغطية الجرائم والاستفادة منها، في حين أن إميل لحود من النوع الذي يصلح لكل الأدوار المطلوبة، أي إلى ما يتجاوز تغطية الجرائم والاستفادة منها، على نحو ما فعل توأمه ميشال عون عندما قبل خوض انتخابات المتن الشمالي بعد اغتيال بيار أمين الجميل. في ضوء هذه المعطيات التي درسها «حزب الله» في العمق، لم يتردد نصرالله في أن يطلب من إميل لحود الإقدام على ما أسماه «مبادرة إنقاذية» قبل تركه قصر بعبدا. ربما لا تزال هناك جريمة مازالت في حاجة إلى تنفيذ تُضم إلى سلسلة الجرائم التي بدأت بالتمديد للرئيس الحالي وكان آخرها اغتيال النائب أنطوان غانم مروراً بالطبع بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده والرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهم والزميل سمير قصير والمناضل العربي جورج حاوي والزميل النائب جبران تويني والوزير والنائب بيار أمين الجميل والنائب وليد عيدو. السلسلة التي تشمل أيضاً محاولة اغتيال الوزير إلياس المر والزميلة مي شدياق طويلة. الظاهر من كلام الأمين العام لـ»حزب الله» أنها مرشحة لأن تطول أكثر مادام المطلوب الفراغ ولا شيء آخر غير الفراغ… وما دام يستحيل إيجاد شخص في مواصفات إميل لحود.
يبدو لحود مدعواً من المحور الإيراني – السوري للبقاء في قصر بعبدا أو تشكيل حكومة ثانية في لبنان في إشارة واضحة إلى وجود نية مبيتة لدى دمشق وطهران في استكمال الانقلاب الهادف إلى جعل لبنان جزءاً لا يتجزأ من المحور الإقليمي الذي أقاماه على حساب كل ما هو عربي في المنطقة…
كان كلام حسن نصرالله مفيداً جداً، أقله من زاوية مساعدته في إفهام من لم يفهم بعد، أن التمديد لإميل لحود في سبتمبر من العام 2004 كان بهدف استخدام رئاسة الجمهورية في سياق عملية مبرمجة تستهدف تدجين لبنان وإلحاقه بالمحور الإيراني – السوري. لم تكن كل الجرائم التي تلت التمديد بعيدة عن هذا التفكير بما في ذلك جريمة افتعال حرب مع إسرائيل بهدف تمكينها من تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وإعادة البلد ثلاثين عاماً إلى الخلف. وما ينطبق على جريمة حرب صيف العام 2006 التي عادت بالويل على لبنان واللبنانيين وتسببت في تهجير عشرات الآلاف من ذوي الخبرات والعقول إلى حيث استطاعوا ذلك، ينطبق أيضاً على احتلال وسط بيروت والاعتصام فيه استكمالاً للعدوان الإسرائيلي. ما لم تفعله إسرائيل خلال عدوان الصيف في حق لبنان واللبنانيين، يستكمله «حزب الله» وأدواته المستأجرة بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في تدجين لبنان وتكريسه «ساحة» للمحور الإيراني – السوري.
ثمة فائدة أخرى لكلام الأمين العام لـ«حزب الله». أزال حسن نصرالله ما بقي من غشاوة في عيون الذين يعتقدون أن النظام السوري على استعداد لتسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للبنان، بمن في ذلك بعض المسؤولين الفرنسيين الذين يبدو أنهم في حاجة إلى إعادة تذكير ببعض البدهيات المتعلقة بسياسة النظام السوري وسلوكه وعاداته. كل ما في الأمر أن النظام في دمشق يعتبر الرئاسة اللبنانية ملكاً له وأن رئيس الجمهورية في بعبدا يجب أن يكون موظفاً صغيراً يعمل لدى الرئاسة السورية أو لدى الأجهزة الأمنية التابعة لها. موظف من النوع الذي يعتبر إرسال الجيش اللبناني إلى جنوب لبنان خيانة وطنية متى شاء «حزب الله» ودمشق ذلك، ثم عملاً وطنياً، متى صار «حزب الله» مضطراً إلى قبول الجيش في الجنوب. صار مضطراً لذلك بعدما أمنت له الحكومة الشرعية، حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حماية من العدو الإسرائيلي إن عبر النقاط السبع أو عبر عملها على صدور القرار الرقم 1701 الذي هو في مصلحة لبنان عموماً ومصلحة أهل الجنوب خصوصاً.
في النهاية، لم يكن خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» سوى حلقة أخرى في المسلسل الانقلابي الذي تندرج جريمة اغتيال رفيق الحريري في سياقه. رد اللبنانيون الشرفاء حقاً على المسلسل. ردوا في الرابع عشر من مارس 2005 ودفعوا دماً غزيراً ثمن وقوفهم في وجه الذين يقفون وراء المسلسل. حموا السرايا الحكومية بأجسادهم وأسقطوا الطابور الخامس الذي حاول جر المناطق المسيحية إلى فتنة. صمدت تلك المناطق في وجه الأدوات المستأجرة وأزلام الأزلام الذين أغراهم الدولار الأميركي الطاهر جداً الآتي من إيران. كذلك صمدت بيروت السنَية وصمد الشمال السنَي في وجه عصابة شاكر العبسي السورية، رغم دفاع حسن نصرالله عنها واعتباره مخيم نهر البارد «خطاً أحمر». اليوم قبل غد، هناك حاجة إلى رئيس جديد للبنان يخرجه وضع «الساحة»، أي الوضع الذي يحاول «حزب الله» فرضه بسلاحه الموجه إلى صدور اللبنانيين. يريد الحزب بكل بساطة أخذ لبنان رهينة ووضعها في تصرف المحور الإيراني – السوري على غرار ما فعله بأبناء الطائفة الشيعية الكريمة التي لا يمكن إلا أن تنتفض يوماً في وجه الظلم الذي تتعرض إليه.
بانتخاب رئيس جديد للبنان يكون الرد على الأمين العام لـ«حزب الله» المذهبي وعلى الذين يحركونه من دمشق وطهران. بانتخاب رئيس جديد يتأكد للمجتمع الدولي أن لبنان يقاوم وأن لبنان يقف مع نفسه أولاً قبل أن يطلب من الآخرين الوقوف معه! لبنان التعددي المنفتح على كل ما هو حضاري يستأهل الحياة. أهله يدافعون عن أنفسهم في وجه الهجمة التي يتعرضون إليها. هذه ليست هجمة على الوطن الصغير فحسب. إنها أيضاً هجمة على كل المنطقة وعلى العرب في وجه خاص بغرض الشرذمة وإثارة كل أنواع الغرائز المذهبية بما يخدم إسرائيل وإسرائيل وحدها للأسف الشديد.
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن