
وإذا كان هذا هو الموقف الأميركي- الأوروبي الغربي من نظام دموي إرهابي كنظام الفقيه، فإن ما يميز مواقف الغرب من الوضع المصري، بعد إزاحة مرسي في انتفاضة شعبية، هو التقاعس الواضح عن دعم إرادة شعب مصر وعن دعم خطوات الحكومة الانتقالية للعبور بسلام نحو المرحلة التالية، أي الانتخابات والحكومة المنتخبة والشروع بالبناء. الغرب يبدو، على العكس، لا يزال مكبلا بما سميته بدوغما الحساسية من الجيش، ودوغما شكلية الانتخابات وكأنها وحدها معيار الديمقراطية. ولا يتردد مسؤولون غربيون عن المطالبة بإطلاق مرسي بدلا من إدانة أعمال العنف والإرهاب التي يلجأ إليها الإخوان، ومنها التناغم مع حماس و”جهاديّي” سيناء لتقتيل رجال الجيش والبوليس المصريين. إنهم يدينون العنف ويحذرون من الحرب الأهلية، ولكن دون تشخيص الطرف المذنب والمسؤول عن الجرائم، والمصر على إشعال مصر ما لم يعد مرشدهم لحكم مصر من خلال مرسي. البارونة آشتون زارت مرسي في سجنه لساعتين، ولكن عصام العريان وغيره من قادة الإخوان رفضوا علانية، بل وأدانوا، ” وساطتها” لحل الأزمة. فيا للخيبة!!
نعم، الوضع المصري خطير، ومن يريدون مساعدة هذا البلد العربي الكبير على الخروج بسلام ونجاح من المخاطر عليهم الوقوف الصريح مع الإرادة الشعبية، والكف عن الرهان على الإخوان المسلمين، أيا كانوا، من أردوغان وإلى غنوشي فمرشدهم في مصر. هؤلاء السادة الغربيون لم يتعلموا من التجارب الماضية في التعامل مع الإسلاميين: كالتدخل الأول في أفغانستان ضد السوفيت، وإلى تسهيل جيمي كارتر لإزاحة الشاه أملا في كسب خميني، فتقديم العراق هدية للأحزاب الدينية المرتبطة بإيران. وإذا كان إخوان مصر يناورون مع الغرب، بل ويناشدونه للتدخل لعودة مرسي، فإنهم هم أنفسهم من كانوا يهاجمون الغرب ومن يتعامل مع الغرب، وهم لن يكونوا يوما أصدقاء للغرب حتى لو عادوا للسلطة؛ ولا اعتقد أن عودتهم ممكنة.
حكام المرحلة الانتقالية في مصر ليسوا هم من يعملون على عزل الإخوان عن العمل السياسي، بل إنهم يدعونهم للمشاركة فيه، ولكن الإخوان هم من يصرون على تأجيج التوترات، ولحد استخدام أساليب العنف والتفجير والإرهاب.
وإذا كان الوضع السوري أشد تعقيدا وتشابكا، فإن التراخي الغربي منذ البداية هو الذي ساهم في إدامة النظام، وفي تسلل القاعدة للمعارضة المسلحة وزيادة قوتها. وكل يوم يمضي على التراخي والتردد الغربيين سيكون لحساب النظام الدموي وإيران ولحساب القاعدة أيضا. ولنا عودة في مقال تال..