السياسة الكويتية -نزار جاف : قبل سنة تماما, وعندما عقد الرئيس الفلسطيني أبومازن (محمود عباس), العزم للتوجه الى الامم المتحدة وتقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين, يومها عقد في طهران مؤتمر كبير كان يدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية, وفي هذا المؤتمر شارك مرشد النظام بنفسه ولم ينب شخصا عنه, ولا اكتفى بتوجيه رسالة للمؤتمرين, والقى خامنئي خطابا ناريا حمل فيه بشدة على أبومازن ووصف تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين ب¯ “الخيانة”
وأكد أن حل الدولتين هو التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني, لكن هذه السنة وقبل أيام تحديدا وعندما حقق أبومازن نصرا سياسيا مبينا للشعب الفلسطيني بكسب اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية, تغير موقف النظام الايراني هذه السنة وكان من ضمن الدول التي صوتت لصالح القرار, ويطرح السؤال نفسه: لماذا هذا التضارب في الموقفين?
الجديد في موقف النظام الايراني هو انه لم يعد بمقدوره المضي بصلافته المعهودة قدما بعد أن تكبد مشروعه السياسي ¯ الامني ¯ الفكري في المنطقة العديد من الضربات الموجعة التي كان البعض منها قاصما, ولم يعد بإمكانه التلاعب بالالفاظ واللعب بالمشاعر وقد صارت جعبته ليست فارغة فقط وانما خرقاء بالية أيضا, حيث ان هناك عاملين مهمين استجدا على الساحة وضيقا الخناق على موقف النظام الدولي على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية, وهذان العاملان هما:
شطب منظمة “مجاهدي خلق” من قائمة المنظمات الارهابية الاميركية وبروز دورها بشكل لافت للنظر كبديل سياسي ¯ فكري جاهز ومناسب للنظام.
احتمالات سقوط النظام السوري والتي باتت واردة كثيرا خلال الفترات الاخيرة والتأثيرات السلبية لذلك على النظام الايراني باعتبار أن تحالفه الستراتيجي مع نظام بشار الاسد قد صار في مهب الريح وانعكاسات ذلك على الموقف الاقليمي للملالي.
هذان العاملان المهمان والمؤثران بالاضافة الى عامل حيوي آخر يتجسد في العقوبات الدولية على النظام والتي ضيقت الخناق عليه وحدت من أفق تحركاته لشراء الذمم او تجنيد الجماعات والتنظيمات المتطرفة لاثارة الفوضى والاضطرابات هنا وهناك, في هذا الخضم, جاء النصر السياسي الكبير الذي حققه الرئيس أبومازن والذي سحب البساط بقوة من تحت أقدام”نظام الممانعة”في دمشق ومن تحت أقدام نظام ولاية الفقيه في طهران, وقد باغت الرئيس الفلسطيني ملالي إيران الى الحد الذي لم يعد أمامهم أي مجال او خيار للمناورة او اللف والدوران واضطروا وعلى مضض للتصويت على مشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية و”بلع” و”تجاوز” موقفهم السابق في العام الماضي والذي كان يضع مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في خانة “الخيانة”, في حين ان هذا النظام هو نفسه من ارتكب اكبر خيانة بحق الشعب الفلسطيني عندما دق اسفينا بين فصائله وزرع حالة من الانقسام والتشتت بين أبناء الشعب الواحد, والتي لم تتمكن إسرائيل طوال ستة عقود من الاقتراب من هكذا خط أحمر للشعب الفلسطيني والمساس به, إلا أن ملالي إيران أنجزوا هذا الهدف السام نيابة عن الاسرائيليين وقدموه من دون مقابل لكل من يهمه او يعنيه الامر.
نظام الملالي الذي طالما حاول إستغلال القضية الفلسطينية لصالح مشروعه الاقليمي وبعد أن باتت الاوضاع الاقليمية والدولية لم تعد تخدم النظام الايراني ها هو يواجه مصيره اذ ان الانتصار الكبير الذي حققه الرئيس أبو مازن دق مسمارا في نعش المشروع الاقليمي للنظام من حيث توظيفه للقضية الفلسطينية, وقد كان في الوقت نفسه بمثابة درس بليغ لقنه أبومازن لمرشد النظام وفضحه على حقيقته على رؤوس الاشهاد!
*كاتب وصحافي عراقي