موقع المجلس:
في مقال تحليلي للسياسي الأوروبي السابق ستروان ستيفنسون، نُشر على موقع تاون هول، تتكشف أبعاد واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه إيران اليوم: أزمة المياه. لا يرى ستيفنسون أن ما يحدث نتاج التغير المناخي كما يروّج النظام، بل “كارثة من صنع الإنسان”، جذورها تمتد إلى فساد ممنهج وجشع اقتصادي يقوده حرس النظام الإيراني الذي ينهب البيئة ويهدد بقاء الدولة ذاتها.

حين تجف الأنهار: أزمة مصطنعة تتحول إلى قنبلة سياسية
يشير ستيفنسون إلى أن فشل الإدارة وجشع السلطة حوّلا القلق البيئي المزمن إلى حالة طوارئ وطنية. من أصفهان إلى خوزستان، جفت الحقول وتحوّلت الأنهار إلى غبار، فيما تراجعت المياه الجوفية في بعض المناطق بمعدل مترين سنويًا.
النظام الإيراني، كما يقول الكاتب، يفضّل تعليق المسؤولية على “تغير المناخ”، متجاهلًا أن الكارثة من صنع يديه. فحفر الآبار العشوائي، والتوسع الزراعي غير المستدام، والنمو السكاني غير المخطط، جميعها أدت إلى استنزاف خطير للمياه العذبة. وفي طهران، تهبط الأرض بمعدل 22 سم سنويًا نتيجة جفاف طبقات المياه الجوفية. هذه ليست أزمة بيئية فحسب، بل تهديد وجودي للأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي، حيث يتحول الجفاف إلى “فتيل سياسي قابل للاشتعال”.
جشع الحرس الثوري: احتكار الماء والثراء
وراء واجهة سوء الإدارة يقف الحرس الثوري الإيراني، الذي تمدد إلى جميع مفاصل الاقتصاد، حتى بات يسيطر على البنية التحتية للمياه عبر شركات واجهة مثل خاتم الأنبياء.
وبذريعة “مشروعات التنمية”، حوّل الحرس مجاري الأنهار، وجفّف الأراضي الرطبة، وأقام سدودًا تخدم مصالحه الاقتصادية على حساب البيئة والمزارعين.
المثال الأبرز في محافظة أصفهان، حيث تم تحويل مسار نهر زاينده رود — الذي كان شريان الحياة للمنطقة — لتغذية مصانع ومجمعات صناعية في يزد تخضع لسيطرة الحرس. والنتيجة: حقول تحولت إلى أراضٍ مالحة قاحلة، ومزارعون خسروا أرزاقهم تحت تهديد القمع والغاز المسيل للدموع كلما حاولوا الاحتجاج.

من الجفاف إلى العتمة: انهيار الخدمات العامة
لم يتوقف الانهيار عند حدود البيئة والزراعة. فقد أدى نقص المياه وانقطاع الكهرباء إلى شلل في المصانع والورش الصغيرة، وتوقف الأفران والمخابز عن العمل. في مشهد رمزي، ألقى خبازون عجينًا فاسدًا أمام المكاتب الحكومية، في تعبير عن عجز الدولة عن تأمين أبسط الخدمات.
ومع ذلك، تبقى إمبراطورية الحرس الثوري بمنأى عن هذه الأزمات، إذ تستمر في الحصول على حصص مستقرة من الماء والطاقة. وهكذا، بينما يعيش المواطنون في ظلام العوز، يرسخ الحرس امتيازاته غير المحدودة، مما أفقد النظام شرعيته حتى في نظر أنصاره.
صرخة إلى العالم: أوقفوا آلة التدمير
يحذر ستيفنسون من أن ما يحدث في إيران يتجاوز حدودها الجغرافية، إذ يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. فالجفاف والهجرة الداخلية والبطالة تؤجج الغضب الشعبي، كما حدث في احتجاجات خوزستان عام 2021، حين صدحت حناجر المتظاهرين بشعار “أنا عطشان” في وجه الرصاص.
ويختم الكاتب دعوته بتأكيد أن أزمة المياه في إيران مرآة لفساد النظام وانحداره، مطالبًا المجتمع الدولي — ولا سيما الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة — بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب أسوة بالولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
فجشع الحرس، كما يقول ستيفنسون، لم يجرّد إيران من أنهارها فحسب، بل من شرعيتها أيضًا.
ولأن التاريخ يعلّمنا أن “الإمبراطوريات تسقط عندما تجف الآبار”، فإن إيران تقف اليوم أمام لحظة الحقيقة.








