من الجفاف إلى الفساد: كيف دمّر الإهمال الممنهج أحد أعمدة الاقتصاد المحلي في الجنوب الإيراني
موقع المجلس:
تواجه صناعة التمور في محافظة خوزستان، التي كانت يومًا ما رمزًا للخصب والازدهار الزراعي في جنوب إيران، خطر الزوال الكامل. ما كان يشكّل أحد أهم مصادر الدخل غير النفطي للبلاد، وأساس حياة آلاف العائلات، ينهار اليوم تحت وطأة الجفاف، وارتفاع ملوحة التربة، وانتشار الآفات الزراعية، وسنوات طويلة من الإهمال الرسمي وسوء الإدارة.
خامنئي بين الإنكار والاعتراف: الفساد هو النظام ذاته
لم يعد الفساد في إيران مجرد اتهام تطلقه المعارضة، بل أصبح حقيقة يعترف بها النظام نفسه. ففي أبريل 2023، أقرّ المرشد علي خامنئي بوجود ما وصفه بـ«تنين الفساد ذي الرؤوس السبعة»، لكنه سارع إلى التنصّل من المسؤولية زاعمًا أن “الفساد الممنهج غير موجود”. وبعد عامين، في مايو 2025، كرّر الخطاب ذاته، في محاولة لتجميل واقعٍ لم يعد قابلاً للإخفاء.
هذا الإنكار المستمر لا يخفي الحقيقة الجوهرية: أن الفساد في إيران ليس عرضًا عابرًا، بل جزء من بنية الحكم وأحد أدوات بقائه.
“سرطان النخيل” يلتهم ثروة خوزستان
في تقرير نشرته وكالة الأنباء الحكومية «برنا» بتاريخ 21 أكتوبر 2025، وُصف وضع بساتين النخيل في خوزستان بأنه “مقلق وخطير”. التقرير أشار إلى أن الحفاظ على هذه البساتين لا يرتبط فقط بسبل العيش المحلية، بل بالأمن الغذائي والصادرات الوطنية أيضًا.
غير أن الواقع يتجاوز القلق إلى الكارثة، إذ انتشرت آفة «حفّار ساق النخيل» — التي يطلق عليها المزارعون اسم “سرطان النخيل” — في مناطق شادكان وآبادان وخرمشهر، مدمّرة آلاف الهكتارات دون أن تواجه بخطة مكافحة فعالة أو دعم حكومي يُذكر.
تراجع الإنتاجية واستغلال المزارعين
انخفض إنتاج الأصناف المحلية الشهيرة مثل «استعمران»، التي كانت تشكّل عماد صادرات التمور الإيرانية بفضل قدرتها العالية على التخزين والنقل. ويشكو المزارعون من ارتفاع تكاليف الزراعة وانخفاض الأسعار المفروضة عليهم، فضلًا عن استغلال الوسطاء المرتبطين بالسلطة الذين يحتكرون تجارة التمور ويستحوذون على معظم الأرباح.
في ظل غياب أي دعم حكومي حقيقي، اضطر كثير من المزارعين إلى ترك أراضيهم أو الوقوع في الديون، لتتحول الزراعة من مصدر رزقٍ كريم إلى عبء خانق.
اعترافات إعلام النظام: الفساد منهج لا استثناء
تقرّ وسائل الإعلام الرسمية اليوم ضمنًا بأن منظومة الحكم نفسها هي أصل الفساد، إذ لم تعد العناوين الصحفية مجرد تغطيات لأزمات متفرقة، بل تحوّلت إلى اعترافات موثّقة بانهيار مؤسسات الدولة. فكل تقرير عن أزمة جديدة هو دليل على فسادٍ مزمن، وكل تصريح رسمي محاولة لتجميل واقعٍ ينهار أمام الجميع.
مؤتمرات شكلية ووعود جوفاء
أشار تقرير «برنا» إلى عقد “المؤتمر الوطني للتمور” في 21 أكتوبر، حيث وعد المسؤولون بإطلاق مشاريع لتحلية المياه ودعم المزارعين. إلا أن الخبراء يرون أن هذه التعهدات تكرار لخطاباتٍ سابقة لم تُترجم إلى أفعال، تمامًا كما فشلت الحكومة في تنفيذ وعودها السابقة بشأن “تأمين حقوق المياه” و“حماية البساتين المنتجة”.
الأزمات البيئية المتراكمة، من الملوحة إلى تلوث المياه بالصرف الصناعي، تتفاقم في ظل غياب سياسات مستدامة، بينما تكتفي السلطات بإطلاق الشعارات وتحمّل الطبيعة أو العقوبات مسؤولية الانهيار.
نظام يبدّد مقدرات البلاد
لم تعد صناعة التمور في خوزستان “في خطر” كما تصفها التقارير الرسمية، بل إنها تنهار فعليًا أمام أعين المزارعين. البساتين التي شكّلت لعقود عماد الحياة الريفية تموت اليوم شجرةً بعد أخرى، في ظل سياسات تضع الدعاية الرسمية فوق احتياجات الناس.
إن إنقاذ نخيل خوزستان يتطلب إدارة علمية شفافة، واستراتيجية بيئية واقتصادية جادّة — وهي عناصر غائبة تمامًا في ظل نظامٍ جعل الفساد والإهمال أسسًا للحكم، لا استثناءاتٍ منه. وبينما تتواصل وعود “الإنقاذ”، يبقى الواقع أن النظام نفسه هو أكبر تهديد لبقاء هذه الثروة التاريخية.








