موقع المجلس:
شهدت إيران، اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025، موجة احتجاجات منسقة وواسعة النطاق، قادها متقاعدو قطاع الاتصالات في أكثر من 15 محافظة، وانضمت إليها قطاعات حيوية أخرى من الممرضين والخبازين ومتقاعدي البنوك والمواطنين العاديين.
لم تكن هذه التحركات مجرد مطالب معيشية، بل تحولت إلى صرخة سياسية واضحة، حيث وجه المحتجون أصابع الاتهام مباشرة إلى المؤسسات الاقتصادية الخاضعة لمكتب خامنئي وحرس النظام الإيراني، محملين رأس النظام مسؤولية الفقر والفساد الممنهج الذي دمر حياتهم.
متقاعدو الاتصالات: انتفاضة منظمة تمتد عبر البلاد
كان المشهد الأبرز في احتجاجات اليوم هو التحرك المنسق والواسع لمتقاعدي الاتصالات، الذين نزلوا بشكل متزامن إلى الشوارع في مدن طهران، أصفهان، تبريز، مشهد، شيراز، الأهواز، كردستان، كرمنشاه، همدان، زنجان، لرستان، خوي، ومريوان. لقد شكلت هذه التجمعات جبهة موحدة ضد ما وصفوه بالنهب المنظم لصندوق تقاعدهم وتجاهل حقوقهم الأساسية بعد عقود من الخدمة، مما يعكس عمق الأزمة والقدرة على التنظيم في مواجهة الظلم.
توجيه الاتهام مباشرة إلى خامنئي ومؤسساته
لم تكن مطالب المحتجين عشوائية، بل كانت موجهة بدقة نحو مراكز القوة الاقتصادية والسياسية.
فقد حمّل المتقاعدون المسؤولية المباشرة للمساهمين الرئيسيين في شركة الاتصالات، وهما “هيئة الأمر التنفيذي” و”مؤسسة تعاون حرس النظام”. وقد تجلى هذا الاستهداف المباشر في هتافهم المزلزل: «يا مؤسستي القيادة، لماذا كل هذا الطغيان؟». هذا الشعار يصوّب الاتهام مباشرة إلى هاتين المؤسستين الخاضعتين لإشراف خامنئي، وبذلك يحمّل رأس النظام المسؤولية الكاملة عن الفساد ونهب حقوقهم.
شعارات تكشف وعيًا سياسيًا عميقًا
تجاوزت شعارات متقاعدي الاتصالات المطالب المعيشية لتكشف عن وعي سياسي عميق ورفض كامل لسياسات النظام. ففي طهران، تردد هتاف «عدونا هنا، يكذبون ويقولون إنه أمريكا!»، الذي يفضح دعاية النظام في خلق عدو خارجي للتغطية على فساده الداخلي. وفي كرمانشاه، لخص شعار «نحن من بنى الاتصالات، وحرس النظام استولى عليها، ونحن خسرنا!» قصة عقود من الكدح الذي انتهى بنهب ثمرة حياتهم على يد المؤسسات القمعية والاقتصادية للنظام.
اتساع رقعة الاحتجاج: من البنوك إلى المستشفيات
لم يقتصر الغضب على متقاعدي الاتصالات. ففي طهران، تجمع متقاعدو بنك “ملي” للاحتجاج على سوء الإدارة والظلم، مرددين شعار «لا تخافوا، لا تخافوا، نحن جميعًا معًا!»، في دعوة جريئة لكسر حاجز الخوف. وفي كرمنشاه، وفي “يوم الممرض”، احتج طاقم التمريض أمام جامعة العلوم الطبية على عدم دفع مستحقاتهم لسنة كاملة، وهددوا بالدخول في إضراب، وهو ما ينذر بشل قطاع الصحة المتهالك أصلًا.
أزمة الخبز والوعود الكاذبة
امتدت الاحتجاجات لتلامس أبسط حقوق المواطنين، وهو رغيف الخبز. ففي مشهد، تجمع الخبازون الذين لم يتقاضوا مستحقاتهم منذ أكثر من 100 يوم، متهمين المسؤولين بالسرقة والإهمال. وفي تجمع آخر، احتج مواطنون على عدم صرف أرباح “أسهم العدالة” التي وعدت بها الحكومة منذ سنوات، مما يظهر نمطًا متكررًا من الوعود الاقتصادية الكاذبة التي أفقرت الشعب وزادت من سخطه.

جبهة موحدة من المظلومين
ما يميز احتجاجات اليوم هو التقاء فئات اجتماعية مختلفة عند نقطة مشتركة: جميعهم ضحايا لنفس المنظومة. من المتقاعد الذي أفنى عمره في الخدمة، إلى الممرض الذي يقف في الخطوط الأمامية، والعامل الذي يُسلب أجره، والمواطن الذي تُنهب مدخراته. لقد أدرك الجميع أن عدوهم واحد، وأن الحل يكمن في التضامن والاتحاد.
الفساد الهيكلي وتمويل الإرهاب على حساب الشعب
إن هذه الاحتجاجات الوطنية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمية لسياسات نظام قائم على الفساد الهيكلي واقتصاد ريعي يخدم مصالح النخبة الحاكمة. فبينما يصرخ المتقاعدون من أجل حقوقهم المسلوبة، ويحتج الخبازون من أجل لقمة العيش، ويصارع المرضى للحصول على الدواء، يقوم النظام بإنفاق مليارات الدولارات من أموال الشعب الإيراني على تمويل الإرهاب والميليشيات الطائفية في المنطقة. لقد أرسل الشارع الإيراني اليوم رسالة واضحة مفادها أنه لم يعد مستعدًا لدفع فاتورة فساد حكامه ومغامراتهم الإقليمية من جوعه وكرامته.








