موقع المجلس:
يعود اسم «بنك آينده» اليوم ليتصدر عناوين الانهيار المالي في إيران، ليس بوصفه مؤسسة تعثرت ماليًا فحسب، بل كرمز حيّ للفساد المنظم الذي ينخر النظام الاقتصادي الإيراني من أساسه. فهذا الإفلاس لم يولد فجأة، بل هو نتيجة لمسار طويل جعل من الجهاز المصرفي أداة بيد شبكات النفوذ التابعة لحرس النظام ومكتب خامنئي.
الرئيس الأسبق للبنك المركزي الإيراني، وليالله سيف، كتب في «دنياي اقتصاد» مؤكداً أن أزمة هذا البنك ليست حالة استثنائية، بل انعكاس واضح لخلل هيكلي متجذر منذ سنوات طويلة. فمنذ تأسيسه عام 2012 عبر دمج بنك «تات» ومؤسسات ائتمانية تابعة للحرس، تحوّل البنك إلى منصة لتدوير الأموال غير المشروعة وتمويل مشروع الفساد السياسي والاقتصادي.
وتبرز أكبر فضيحة مرتبطة بالبنك في مشروع «إيران مول»، الذي رُوّج له كأضخم مركز تجاري في الشرق الأوسط، بينما هو في الحقيقة واجهة لاستنزاف موارد الدولة عبر قروض تجاوزت 74 ألف مليار تومان، رغم أن البنك كان مثقلاً بديون هائلة تخطّت 70 ألف مليار تومان للبنك المركزي!
هذه الأرقام تكشف آلية الفساد: الأموال العامة تتحول إلى نفوذ سياسي واقتصادي، والبنوك تقوم بدور الخزينـة السرّية للمتنفذين، كما وصفت صحيفة «هممیهن» حين قالت إن كل فساد مالي في إيران ينتهي أثره عند باب أحد البنوك.
وعلى الرغم من تعاقب ثلاث حكومات: روحاني ورئيسي وبزشكيان، ظلّ النهج كما هو دون تغيير. فالأزمة أكبر من قرارات حكومية مؤقتة، لأنها متأصلة في بنية نظام قام على الاحتكار والريع، وحوّل البنوك إلى أدوات سلطة بدلاً من أن تكون رافعات للتنمية.
إعلان إفلاس «بنك آينده» ما هو إلا كشفٌ لشبكة واسعة من الفساد تصوغها مجموعات مرتبطة بالحرس الثوري ودوائر خامنئي. فالمؤسسات المصرفية في إيران باتت مصانع لإنتاج التضخّم وتدوير الثروات الوهمية بعيدًا عن أي دور اقتصادي تنموي.
النظام الذي يرفع شعار «الاقتصاد المقاوم» يعتمد في الواقع على اقتصاد طفيلي قائم على النهب وإنتاج الفقر، كما أقرّ سيف بوضوح عندما أشار إلى أن «الأصول الوهمية تتضخم مقابل ديون حقيقية» — أي أن الانهيار قادم لا محالة.
قضية «بنك آينده» ليست نهاية الفساد في إيران، بل بداية صفحة جديدة في مسلسل الانهيار الاقتصادي. فعندما تتحول المصارف إلى مافيات مغلّفة بقوانين شكلية، يصبح سقوط المنظومة نتيجة مؤكدة لا احتمالاً نظريًا.
وهكذا يبدو المشهد المالي في إيران اليوم: فساد مؤسسي مكتمل الأركان، لا علاج له داخل نفس البنية التي خلقته.








