صورة للفقر المدقع في ایران-
موقع المجلس:
لم يعد الموت في إيران مقصورًا على المشانق أو رصاص الحرس الثوري؛ فقد أصبح يتسلل ببطء إلى أجساد المواطنين عبر الجوع وسوء التغذية.
فبحسب بيانات وزارة الصحة الإيرانية، فإن أكثر من 35% من حالات الوفاة في البلاد مرتبطة بسوء التغذية، وهو رقم يعكس عمق الكارثة الصحية والمعيشية التي يعيشها الإيرانيون اليوم، في ظل نظامٍ حوّل العجز الغذائي إلى وجه آخر من وجوه القمع.

ففي الوقت الذي يفاخر فيه النظام بمشاريعه النووية ونفوذه الإقليمي، يعجز ملايين الإيرانيين عن شراء كيلوغرام واحد من اللحم.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم ارتفع من بضع مئات من التومانات قبل ثلاثة عقود إلى أكثر من 700 ألف تومان عام 2024. وبما أن متوسط راتب العامل لا يتجاوز 15 مليون تومان شهريًا، فإن الحصول على وجبة لحم أصبح حلمًا بعيد المنال لغالبية الأسر.

احتكار الغذاء وسلاح التجويع
تكشف التقارير الاقتصادية عن هيمنة شبكات تجارية تابعة للحرس الثوري على تجارة الغذاء واللحوم والألبان، حيث تتحكم هذه المافيات في الأسعار وتحتكر الأسواق، ما أدى إلى إقصاء الفقراء عن أبسط احتياجاتهم الغذائية.
وفي المقابل، تواصل وزارة الصحة الحديث عن “تحسين أنماط التغذية”، بينما تشير الدراسات المستقلة إلى أن نحو نصف سكان البلاد يعانون نقصًا في المجموعات الغذائية الأساسية، وعلى رأسها البروتينات.
الجوع كسياسة دولة
تتجاوز الأزمة بعدها الاقتصادي لتصبح سياسة ممنهجة لإخضاع المجتمع. فالموت في إيران لم يعد استثناءً أو نتيجة طبيعية للظروف، بل تحول إلى منظومة قائمة على سوء الإدارة والفساد والاحتكار، حيث تتآكل مقومات الحياة اليومية تحت غطاء من البيانات الرسمية المضللة.
ويرى محللون أن هذه الظاهرة ليست سوى امتداد لما يمكن تسميته بـ “إبادة بطيئة” تشمل الإنسان والطبيعة والصناعة على حد سواء.
الخوف من انتفاضة الجياع
ورغم محاولات التعتيم، يدرك النظام أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الجوع نفسه، بل في نتائجه السياسية.
فقد شهدت البلاد في انتفاضتي 2017 و2019 احتجاجات واسعة انطلقت شرارتها من المطالب المعيشية، حين خرج الآلاف إلى الشوارع يطالبون بالعدالة والكرامة. واليوم، ومع تفاقم الفقر وغلاء الأسعار، يخشى النظام من تكرار السيناريو ذاته في موجة غضب جديدة يقودها الجياع والمهمشون.
جريمة سياسية بامتياز
إن ما تشهده إيران اليوم ليس أزمة اقتصادية عابرة، بل جريمة سياسية مكتملة الأركان، تُمارس فيها السلطة التجويع كأداة للسيطرة.
فـ“المجزرة الخفية للجوع” هي تعبير عن نظامٍ اختار أن يموّل القمع والتوسع الخارجي على حساب حياة شعبه، حتى باتت الحياة نفسها ترفًا لا يُتاح إلا للمقربين من دوائر السلطة.








