موقع المجلس:
في يوم السبت الموافق 19 أكتوبر، عكست وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية صورة متناقضة ومليئة بالقلق، كاشفةً عن عمق الأزمات التي تخنق البلاد. فقد تناولت هذه الوسائل في آن واحد الانهيار الاقتصادي المتسارع والانقسامات السياسية المتفاقمة وتوتر العلاقات الخارجية. وبينما وجهت بعض الصحف انتقادات حادة لهيكل السلطة ولتفشي الفساد وسوء الإدارة، تبنت وسائل إعلام أخرى مقربة من مكتب خامنئي خطابًا دفاعيًا، حاولت من خلاله صرف الأنظار عن المأساة المعيشية عبر التركيز على المواقف العدائية تجاه الغرب. هذا التباين الصارخ يعكس إدراك النظام نفسه لخطورة أزمته البنيوية، ولانكشاف إفلاسه الاقتصادي والسياسي أمام الرأي العام.
تقرير اقتصادي: الصحف الحكومية تكشف عمق الإفلاس المالي للنظام
لم تعد التحذيرات من الانهيار الاقتصادي مقتصرة على المعارضة أو التقارير الدولية، بل باتت الصحف الحكومية الإيرانية نفسها تعترف بوضوح بفشل السياسات الاقتصادية للنظام. فالعقوبات المشددة وتجميد الأصول الخارجية وتدهور معيشة المواطنين وانهيار البنى التحتية رسمت جميعها مشهدًا قاتمًا لواقع البلاد.
تفاقم الغلاء وانهيار المعيشة
في خضم موجة غلاء غير مسبوقة، بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم نحو مليون تومان، وهو مؤشر صارخ على التدهور الاقتصادي. وتُجمع الصحف الحكومية على أن الغلاء الفاحش والاحتكار وانخفاض القدرة الشرائية دفعا شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة إلى ما دون خط الفقر.
تجميد الأصول وتوتر العلاقات الخارجية
كشفت صحيفة خبر أونلاين عن تصريحات لوزير الخارجية الأسبق جواد ظريف، أشار فيها إلى أن “روسيا لا ترغب في أن تقيم إيران علاقات طبيعية مع العالم”، وأنها “عرقلت المفاوضات النووية”. ويضاف إلى ذلك رفض طهران اتهامات جهاز الاستخبارات البريطاني (MI5) بشأن “مخططات اغتيال عبر الحدود”، مما يعكس تصاعد العزلة الدبلوماسية التي تخنق فرص الانفتاح الاقتصادي وتحرير الأموال المجمدة.

تدهور المعيشة واتساع رقعة الفقر
تناولت صحف مثل اعتماد ووطن امروز بقلق ظواهر “الفقر الغذائي وسوء التغذية بين الأطفال في المناطق المهمشة”، في إقرار صريح بعجز السياسات الحكومية. وأكدت تقارير أن “نسبة الفقر وسوء التغذية في محافظة سيستان وبلوشستان تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2000”، وأن “أكثر من 60% من الأسر الحضرية و80% من الأسر الريفية تعيش تحت خط الفقر”.
كما أشارت بهار نيوز إلى ظاهرة “بيع الأطفال” في بعض المناطق نتيجة انهيار الأوضاع المعيشية، فيما كتبت أرمان ملي عن “أسر خالية من اللحوم”، موضحة أن ارتفاع الأسعار جعل اللحوم أول سلعة تُستبعد من مائدة الفقراء والطبقة المتوسطة على حد سواء.

فشل السياسات التموينية واستمرار التضخم
أمام تصاعد التضخم، لجأ النظام مجددًا إلى توزيع القسائم التموينية كحل ترقيعي، رغم فشل التجارب السابقة. كما تناولت بهار نيوز “لغز سعر البنزين”، محذّرة من أن أي زيادة جديدة قد تؤدي إلى احتجاجات شعبية كتلك التي اندلعت عام 2019. وأكدت أن “المشكلة الحقيقية ليست في سعر الوقود، بل في سوء إدارة قطاع النقل وعدم كفاءته”.
انتقادات حادة للسياسات الحكومية
لم تسلم الحكومة من الانتقادات داخل إعلامها الرسمي. فصحيفة ستاره صبح وصفت السياسة الخارجية بأنها “أسيرة التبعية لروسيا”، فيما تحدثت أرمان ملي عن “غياب التنسيق داخل الفريق الاقتصادي الحكومي” واحتمال إقالة رئيس البنك المركزي، معتبرة ذلك “دليلًا على الارتباك الداخلي في إدارة الملف الاقتصادي”.
تدهور الخدمات الصحية والبنية التحتية
أشارت صحيفة هم ميهن إلى “تخلي المستشفيات عن المرضى” بسبب ارتفاع التكاليف ونقص الكوادر التمريضية، ونقلت عن ممرض في قسم العلاج الكيميائي قوله إن “المرضى القادمون من المدن يعانون من غياب المرافق ونقص الخدمات”. كما لفتت الصحيفة إلى أن “60 إلى 70 ألف ممرضة عاطلة عن العمل ترفض الالتحاق بالمهنة بسبب تدني الأجور”.
أما بهار نيوز فحذرت من “نقص المياه المطلق”، مشيرة إلى أن “حصة الفرد من المياه المتجددة قد تنخفض إلى 750 مترًا مكعبًا فقط”. في حين تناولت هم ميهن ظاهرة “فقدان الأمل بين الشباب”، معتبرة أن “تآكل الحافز للمستقبل والزواج والعمل يهدد استمرار المجتمع الإيراني برمته”.
خاتمة
إن الصورة التي ترسمها الصحف الحكومية نفسها تؤكد أن إيران تقف على حافة انهيار شامل. فالنظام الذي فشل في تأمين احتياجات مواطنيه، واستنزف موارد البلاد في حروب خارجية، وكمّم أفواه معارضيه، يجد نفسه اليوم أمام مأزق لا يمكن إنكاره. هذه الاعترافات الصادرة من داخل مؤسساته الإعلامية الرسمية ليست مجرد تقارير اقتصادية، بل هي شهادة على تفكك بنية الدولة، ودليل على أن التغيير الشامل بات ضرورة لا مفر منها لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل.








