موقع المجلس:
بينما تنشغل وسائل الإعلام العالمية بأخبار الحرب في غزة، يواجه الإيرانيون معركة داخلية أكثر قسوة وأطول أمدًا: الفساد السياسي والاقتصادي الذي نخر مفاصل الدولة والمجتمع على حد سواء. هذه الأزمة، التي يغيب صداها عن العناوين الدولية، تمثل في الواقع المحرك الخفي لمعاناة الشعب الإيراني اليومية.
قبل نحو عامين، شبّه المرشد الأعلى علي خامنئي الفساد بـ “تنين ذي سبعة رؤوس”، لكنه لم يجرؤ على تسمية أي من تلك الرؤوس. وهنا تبرز تساؤلات حتمية: إذا كان النظام نفسه يقرّ بوجود هذا الفساد المستشري، فلماذا يتفاقم يومًا بعد يوم؟ هل يعود السبب إلى ضعف الإرادة السياسية أم إلى غياب آليات المواجهة الفعّالة؟ أم أن الفساد لم يعد عرضًا طارئًا، بل تحوّل إلى مكوّن أساسي في بنية النظام ذاته؟

تضخم متسارع وركود خانق: وعود جوفاء تفاقم البؤس
يدخل الاقتصاد الإيراني في مايو 2025 مرحلة غير مسبوقة من التدهور، إذ ترتفع معدلات التضخم وتنهار القوة الشرائية بوتيرة تنذر بالخطر. ولم تعد الأزمة مقتصرة على المؤشرات الاقتصادية، بل انعكست مباشرة على تفاصيل حياة المواطنين ومعيشتهم اليومية.
يتزامن هذا الانهيار مع مرحلة حساسة توصف بأنها “ما بعد الحرب وتفعيل آلية الزناد”، حيث انفجرت التناقضات الداخلية للنظام، وبدأ بعض مسؤوليه يبوحون باعترافات تكشف عمق الأزمة البنيوية. ومع اشتداد الضغط الشعبي وتصاعد الصراعات بين أجنحة السلطة، باتت مراكز النفوذ تكشف، دون قصد، جوانب من منظومة الفساد التي ترسخت في مؤسسات الدولة. وهكذا أصبح الفساد في إيران ظاهرة ممنهجة لا استثناءً مؤقتًا، تعكس نضوج الصراع بين المجتمع والنظام الحاكم، وصعود التناقضات إلى السطح نحو لحظة الحسم الحتمي.
“التضخم في فخ الصراع بين الأجنحة”
في هذا السياق، نشرت صحيفة شرق تقريرًا تحليليًا تحت هذا العنوان، ربطت فيه موجة التضخم الحالية بالصراعات الداخلية على السلطة، لا بالعوامل الخارجية كما يدّعي النظام. واستشهد التقرير بقول الاقتصادي جون مينارد كينز إن “التضخم المزمن سلاح يدمّر القيم الأخلاقية والاقتصادية للأمم”. كما نقل آراء خبراء مثل حسين راغفر ولطفعلي بخشي الذين أكدوا أن جذور التضخم تكمن في “احتكار عائدات النقد الأجنبي، وتلاعب الحكومة بأسعار الصرف لتغطية العجز المالي، وإنفاق الريع العام على مؤسسات غير منتجة”، ما جعل العلاقة بين الفساد والسياسة علاقة عضوية تنقل آثارها مباشرة إلى حياة الناس وأمنهم المعيشي.
الانهيار المالي ومخاطر الانفجار الاجتماعي
لقد بلغ الانهيار الاقتصادي في إيران مستوى خطير، بعد أن تجاوز سعر الدولار حاجز 116 ألف تومان، نتيجة سياسات النظام القائمة على المغامرات العسكرية والسعي لامتلاك السلاح النووي. من هنا، يتضح أن “تنين الفساد” ليس سوى الوجه الاقتصادي لسلطة تقوم على الريع والاحتكار. فحين تحتكر دوائر ضيقة موارد النفط والعملات الصعبة، تتضاعف الثروات غير المشروعة، وتلجأ الحكومة إلى طباعة النقود والتلاعب بالأسعار لإخفاء فشلها، مما يغذي التضخم ويعمّق الفوارق الطبقية، ويدفع المجتمع نحو لحظة مواجهة حتمية.
نحو الحسم النهائي
لم يعد أمام الشعب الإيراني، الذي يرى آثار الفساد في كل زاوية من حياته، سوى طريق المواجهة. فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتآكل الثقة بالنظام، تتسع رقعة الوعي الجماعي، ويصبح التنظيم والعمل المشترك شرطًا أساسيًا لتحقيق التغيير. وهكذا تتحول الأزمة من مأزق اقتصادي إلى معركة وجودية بين شعب يطالب بالعدالة ونظام فقد شرعيته الأخلاقية والاقتصادية.








