مدارس التعلیم في ریف ایران
موقع المجلس:
في اعتراف نادر يعكس عمق الأزمة، كشف وزير التعليم الإيراني علي رضا كاظمي عن التدهور الحاد الذي يضرب المنظومة التعليمية في البلاد، بعد عقود من التلقين العقائدي وسوء الإدارة والإهمال المزمن. فقد أعلنت وكالة “إيسنا” الحكومية في 7 أكتوبر عن تراجع نتائج امتحانات الثانوية العامة على المستوى الوطني بنسبة 0.43% – رقم يبدو ضئيلاً على الورق، لكنه يشير إلى انحدار هيكلي يصعب إصلاحه.

ورغم أن المسؤولين سارعوا إلى تبرير هذا التراجع بإغلاق المدارس بسبب تلوث الهواء وانقطاع الطاقة، فإن الأسباب الحقيقية أعمق بكثير. فالنظام التعليمي في إيران، الذي صُمّم لخدمة السلطة بدلاً من بناء الإنسان، يقف اليوم على أطلال مهمة كان يفترض أن تكون تنويرية وتنموية.
من التعلم إلى التلقين
على مدى أكثر من أربعة عقود من حكم ولاية الفقيه، تحوّلت المدارس الإيرانية من مؤسسات لتعليم المعرفة إلى أدوات لغرس الطاعة السياسية والفكرية.
فالمناهج الدراسية، المثقلة بالمحتوى الديني والدعائي، ما تزال تفتقر إلى العلوم التطبيقية ومهارات التفكير النقدي التي يتطلبها العصر الحديث.
أما الفصول الدراسية فغدت قاعات تلقين لا تتيح للطلاب سوى الحفظ والتكرار، في نظام يعاقب الفضول ويقمع الإبداع.
وفي المناطق الفقيرة، تتجلى المأساة بأشد صورها. فغياب التعليم قبل المدرسي، وندرة المختبرات والمكتبات، والاكتظاظ الذي يتجاوز 40 طالبًا في الفصل الواحد، كلها عوامل تكرّس التفاوت الطبقي وتُقصي الأطفال من فرص التعلم.
ميزانية منهارة وأولوية للأمن على التعليم
تنفق الحكومة الإيرانية 2.93% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، أي ما يعادل نصف المعدل العالمي تقريبًا.
ويبلغ الإنفاق السنوي على الطالب الإيراني نحو 340 دولارًا فقط، مقارنة بـ 9,000 دولار عالميًا و12,000 دولار في اليابان.
لكن المفارقة أن مؤسسات الحرس الثوري والأجهزة الدعائية تتلقى مليارات التومانات سنويًا، بينما تذوي المدارس تحت سقوف متهالكة.
الرسالة واضحة: النظام يفضّل تمويل الأمن والتلقين على حساب التنمية والتعليم.
جيل يتسرب خارج أسوار المدارس
لم يعد التدهور التعليمي خافيًا حتى على الإعلام الرسمي. فوفقًا لإحصاءات وزارة التعليم، تسرب أكثر من 900 ألف طالب من المدارس خلال العام الماضي فقط.
وفي المناطق النائية، يدفع الفقر وعمالة الأطفال والزواج المبكر آلاف الصغار إلى ترك الدراسة، في وقت تحولت فيه معركة البقاء إلى أولوية تتقدّم على أي أمل في التعلم.
شهادة وفاة للتعليم الإيراني
بعد أربعة عقود من الحكم الثيوقراطي، لم يعد التعليم في إيران رافعة للنهضة، بل رهينة للاستبداد.
فبفعل التلقين والفساد ونقص الموارد، تُرك جيل كامل دون أفق، وأصبح التعليم وسيلة لإعادة إنتاج الطاعة بدلاً من تمكين العقول.
ويصف مراقبون اعتراف الوزير الأخير بأنه “شهادة وفاة رسمية لأيديولوجية فاشلة”. فطالما بقيت السياسة فوق المعرفة، والمذهب فوق المنهج، لن يكتب لأي إصلاح تعليمي النجاح.
إن ما يعيشه الإيرانيون اليوم ليس مجرد أزمة تعليمية، بل مأساة وطنية وأخلاقية تطال مستقبل جيل بأكمله.








