موقع المجلس:
تشهد إيران منذ يومين متتاليين، الثلاثاء والأربعاء 7 و8 أكتوبر 2025، موجة احتجاجات جديدة ومتواصلة، امتدت لتشمل قطاعات مختلفة ومدناً عديدة، في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تضرب أركان النظام. من عمال النفط والصلب في الأهواز وقشم وتبريز وأبهر، إلى طلاب الجامعات في طهران، وعائلات السجناء السياسيين، والخبازين في مشهد، وضحايا الاحتيال المالي في دزفول، توحّد الإيرانيون في الشوارع تحت شعار واحد: الغضب من دولة عاجزة ونظام فاسد ومسؤولين يوزعون الوعود الزائفة.

لم تعد هذه التحركات مجرد احتجاجات معزولة، بل باتت جزءاً من حالة غليان شعبي شامل تتسع يوماً بعد آخر.


ففي تبريز، واصل عمال شركة “موتوجن” إضرابهم لليوم الثاني احتجاجاً على تجاهل مطالبهم المستمرة. وفي أبهر، تظاهر عمال مصنع “سيادن للصلب” أمام المصنع ثم أمام مبنى المحافظة بسبب تأخر رواتبهم لأكثر من شهرين، محذرين من تصعيد تحركاتهم إذا لم تُنفذ الوعود المتكررة بالدفع.
أما في مشهد، فقد خرج الخبازون في مسيرة كبيرة نحو مبنى المحافظة، احتجاجاً على ما وصفوه بـ “سرقة الخبز” بعد ثلاثة أشهر من المماطلة في صرف مستحقات الدعم الحكومي. وفي دزفول، عاد ملف الاحتيال الضخم لشركة “هايبر غلباران” إلى الواجهة، بعدما تبيّن أن آلاف المواطنين ما زالوا دون تعويض رغم مرور ثلاث سنوات على انكشاف الفضيحة التي تورط فيها ضابط متقاعد من الحرس الثوري.
وفي جنوب البلاد، حيث القلب النابض لقطاع الطاقة، شهدت الأهواز وقشم إضرابات عمالية جديدة. ففي الأهواز، نظم العاملون والمتقاعدون في صناعة النفط وقفة احتجاجية مشتركة، بينما أضرب نحو 400 عامل في مصفاة نفط قيد الإنشاء بجزيرة قشم بسبب تأخر رواتبهم لثلاثة أشهر، لتواجههم الإدارة بردود مستفزة بدلاً من الحلول. وفي أنديمشك، تظاهر عمال بلدية يعملون بنظام المياومة منذ ثماني سنوات من دون تأمين أو حقوق قانونية.
وعلى الصعيد السياسي، نظمت عائلات السجناء السياسيين وقفتهم الأسبوعية التاسعة والثمانين ضمن حملة “ثلاثاءات لا للإعدام”، تزامناً مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، رافعين شعار “إيران بلا مشانق”.
وفي العاصمة طهران، شهدت جامعة “خواجه نصير” واحداً من أكبر التجمعات الطلابية منذ عامين، في احتجاج يعكس تصاعد الوعي السياسي لدى جيل جديد يرفض سياسات النظام القمعية. رفض الطلاب مقابلة مسؤولي الجامعة، في رسالة واضحة بانعدام الثقة في الوعود الرسمية، وتحول شعاراتهم مثل “أيها الطالب، اصرخ وطالب بحقك!” إلى تعبير عن وعي جمعي يرى في المواجهة المباشرة وسيلته الوحيدة لاسترداد الحقوق.
إن مجمل هذه الأحداث ترسم صورة لنظام يترنح تحت ضغط داخلي متصاعد. فالنظام الذي لا يدفع أجور عماله، ويتواطأ قضاؤه في نهب أموال المواطنين، ويقمع الطلبة والمعلمين والمزارعين، يواجه اليوم موجة رفض شاملة من مختلف شرائح المجتمع.
إن اتساع رقعة المحتجين من العمال والطلاب والأطباء والمتقاعدين وعائلات ضحايا الإعدام، يشير إلى تحوّل نوعي في بنية الحراك الشعبي، من مطالب فئوية إلى غضب وطني شامل. فالنظام الذي فقد شرعيته وعجز عن إدارة الأزمات، يواجه اليوم تحدياً وجودياً حقيقياً، بينما يزداد وعي الشارع بأن زمن الانتظار انتهى، وأن التغيير بات مطلباً عاماً لا يمكن إخماده بالوعود ولا بالقمع.








