موقع المجلس:
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو فرصة تاريخية قد تضع حدًّا للحرب المدمرة في غزة، يكشف النظام الإيراني عن وجهه الحقيقي، بوصفه أحد أبرز المعارضين للسلام والداعين لاستمرار الصراع. فقبل ساعات فقط من إعلان حركة حماس موافقتها على خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان أئمة الجمعة وممثلو خامنئي يكررون خطاب النظام العدائي، مهاجمين بشدة أي مساعٍ للتهدئة، في تناقض صارخ مع ما أعلنت عنه الأطراف الفلسطينية لاحقًا.
في خطبة الجمعة بطهران بتاريخ 3 أكتوبر 2025، وصف أحمد خاتمي، ممثل خامنئي، خطة ترامب للسلام بأنها “خطة شيطانية”، وتنبأ بفشلها قائلاً بثقة: “الفلسطينيون لم يقبلوا بهذه الخطة ولن يقبلوها”. ولم يكتفِ بذلك، بل وجه تهديدات مباشرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا بخصوص آلية الزناد، مؤكدًا أن النظام الإيراني “لن يخضع للضغوط الدولية”، في تعبير واضح عن ذهنية تقوم على المواجهة ورفض أي حلول دبلوماسية.
ولم يكن خاتمي استثناءً، فقد تبنّى الموقف ذاته إمام جمعة بيرجند، شهرياري، الذي حذر الفلسطينيين من “مؤامرة جديدة”، وشبّه خطة السلام بالاتفاق النووي الإيراني (برجام)، قائلاً: “نقول لأهل غزة، هذا يشبه اتفاقنا النووي تمامًا… نحن وفينا بالتزاماتنا، وهم لم يفعلوا. هؤلاء لا يمكن الوثوق بهم”. بهذا الخطاب، حاول النظام الإيراني إسقاط فشله في الملف النووي على القضية الفلسطينية، لإثارة الشكوك وإفشال أي فرصة لوقف إطلاق النار.
الفلسطينيون يختارون طريق السلام وإنهاء المعاناة
في المقابل، جاءت المواقف الفلسطينية لتعكس صورة مختلفة تمامًا — مواقف تعبّر عن إرادة وطنية مستقلة تسعى إلى إنهاء المعاناة الطويلة، بعيدًا عن إملاءات طهران وشعاراتها الفارغة.
بيان حركة حماس:
في مساء الجمعة ذاته، أصدرت حركة حماس بيانًا تاريخيًا أعلنت فيه “الموافقة على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، الأحياء منهم والرفات، وفقًا لصيغة التبادل الواردة في اقتراح الرئيس ترامب”. وقد تضمّن البيان، الذي نشره الرئيس الأمريكي كاملًا، عدداً من النقاط الجوهرية:
تقدير الجهود الدولية: أعربت الحركة عن شكرها للرئيس ترامب والوسطاء على جهودهم لإنهاء الحرب.
الموافقة على التبادل: وافقت على صيغة تبادل الأسرى بما يتيح إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة.
الاستعداد للتفاوض: أكدت استعدادها للدخول في مفاوضات فورية عبر الوسطاء لبحث التفاصيل التنفيذية.
إدارة فلسطينية لغزة: جدّدت موافقتها على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية مستقلة من التكنوقراط، في إطار توافق وطني.
موقف الرئيس محمود عباس:
وفي اليوم التالي، من رام الله، رحّب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإعلان ترامب والردود الإيجابية من حماس، وقال: “نحن نرحب بهذه التصريحات لأنها تعبّر عن رغبة حقيقية في إطلاق سراح جميع الرهائن واتباع نهج بنّاء في هذه المرحلة الحساسة”.
كما شدّد عباس على ثلاث أولويات فلسطينية واضحة:
وقف فوري لإطلاق النار والتزام شامل بإنهاء الأعمال القتالية، إلى جانب إطلاق سراح الرهائن والسجناء، وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
تأكيد السيادة الفلسطينية على غزة، وربط القطاع بالضفة عبر مؤسسات الدولة الفلسطينية الموحدة.
تحقيق السلام العادل القائم على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، باعتبارها “الشريك الطبيعي للاستقرار في المنطقة إلى جانب إسرائيل”.
طهران… وحدها على الجانب الخطأ من التاريخ
إن التباين الحاد بين الموقفين الفلسطيني والإيراني يفضح الحقيقة المرة: بينما يمدّ الفلسطينيون أيديهم نحو السلام، يصرّ النظام الإيراني على إشعال نيران الحرب. ففي حين يسعى الفلسطينيون لإنهاء معاناة شعبهم وتحقيق مصالحهم الوطنية، يواصل نظام الملالي المتاجرة بالقضية الفلسطينية، مستخدمًا آلام غزة كوقود لمشروعه التوسعي في المنطقة، غير آبه بدماء الأطفال والنساء ولا بصرخات الجوع والدمار.
إن تمسك طهران بخيار الحرب ليس دفاعًا عن فلسطين، بل عن بقائها هي. فاستمرار الصراع يمنحها ذريعة لتبرير تدخلاتها وتصدير أزماتها الداخلية، أما السلام — بالنسبة لهذا النظام — فهو الخطر الأكبر الذي يهدد عرشه القائم على الكراهية والفوضى.