صوت العراق – محمد حسين المياحي:
منذ إنتهاء حرب الايام ال12، يبذل النظام الايراني جهودا مضنية من أجل إظهار نفسه قويا ومن إنه في مستوى يجعله متمکنا من مواجهة کافة الاحتمالات، وهو من أجل ذلك يحرص على إطلاق التهديدات العنترية وحتى التهديد بأنه سوف يقوم يستخدم في الحرب القادمة فيما لو إندلعت صواريخ متطورة بل وحتى التهديد بأن صواريخهم ستطال أوربا، هذا بالاضافة الى التأکيد على وحدة الصف الداخلي في وجه التهديدات وإن الشعب يقف خلفهم، کما إنه يهدد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، والاعتراف باستحالة التفاوض.
النظام الايراني وفي معرض بذل جهوده التي ذکرناها، لايبدو أن الطريق أمامه کما يقوم برسم وتحديد معالمه، إذ يعكس المشهد الخارجي حالة من التخبط الكامل. ففي رد فعل على تهديد أوروبا بتفعيل “آلية الزناد” (Snapback)، هدد سعيدي، أمين لجنة الأمن القومي في برلمان النظام، بأن “استمرار وجود إيران في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) لن يكون له معنى”، وهو ما يمثل تهديدا بالتصعيد الكامل.
أما داخليا، فقد كشف بيان صدر عن الجناح المعروف بـإسم “جبهة الإصلاحات” عن عمق الشرخ في قمة هرم السلطة. في مواجهة أزمة خانقة، وحرب الأيام الاثني عشر الأخيرة، والتهديدات الدولية، والانهيار الاقتصادي، دعا البيان النظام بصراحة نادرة إلى التراجع في سياسته الخارجية وقبول “المصالحة الوطنية”، في خطوة تذكر بلحظة “كأس السم” التي أجبر فيها خميني على قبول وقف إطلاق النار عام 1988 لإنقاذ نظامه من السقوط. الملفت للنظر إن هذا البيان جوبه بردود فعل عنيفة وغاضبة من جانب الجناح التابع للمرشد الاعلى للنظام بما يمکن القول من إنه قد عکس حالة الانقسام العميق. فقد وصف عضو مجلس النظام، ثابتي، البيان بأنه “نتيجة مباشرة لاستراتيجية خاطئة للوفاق مع أهل النفاق”، وادعى أن “نتنياهو كتبه كلمة بكلمة”. وذهبت صحيفة “كيهان” التابعة لخامنئي إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبرت البيان “أشبه بمحاولة انقلاب ضد النظام” وتساءلت: “هل هو بيان جبهة الإصلاحات أم ترجمة فارسية لخطاب نتنياهو؟”. أما حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي في الصحيفة، فقد اعتبر تكرار هذا “الخطأ” بمثابة “خط سياسي” يتماهى مع مطالب أمريكا وإسرائيل بتغيير النظام.
وفي هذا الوقت ذاته، جاءت تصريحات النائب الاول للرئيس الايراني، لتکشف عن التناقض والشلل الاستراتيجي. فبينما أكد في 18 أغسطس أن النظام “ليس في حالة وقف إطلاق نار، بل توقف مؤقت لإطلاق النار، ويجب أن نكون مستعدين لمواجهة العدو في أي لحظة”، عاد ليقول: “لسنا دعاة حرب، لكن استراتيجيتنا هي أننا سننهي أي حرب يبدأونها”. وفي تناقض صارخ، أضاف أن استراتيجية النظام هي التفاوض، لكنه شكك في أن “الطرف الآخر يؤمن بالمفاوضات”.
وقد سلطت وكالة الأنباء الفرنسية الضوء على هذا المأزق، مشيرة إلى تحذير الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة على أسلحة نووية التي تخصب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي على بعد خطوة قصيرة من نسبة 90% اللازمة لصنع قنبلة.
وبصورة عامة تبدو الاوضاع أکثر صعوبة وتعقيدا من تلك التي يتصورها النظام، ولامراء من إنه محصور بقوة بين التهديدات العنترية الفارغة التي لا يلترث لها العالم والمفاوضات المستحيلة حيث لم يعد هناك من مجال للمراوغة والمناورة.