موقع المجلس:
في اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، الذي أقرته الأمم المتحدة، يتم تسليط الضوء على أحد أشد أشكال العنف إيلاماً وإسكاتاً في عالمنا اليوم. وفي إيران، لطالما استُخدم هذا الشكل من العنف بشكل ممنهج في السجون ومراكز الاحتجاز وفي الشوارع، وفي خضم أزمات الفقر والنزوح، خاصة ضد الأرامل والأمهات العازبات والنساء اللاتي يفتقرن إلى الحماية الاجتماعية أو القانونية. إن ما نشهده ليس مجرد قسوة معزولة، بل استراتيجية دولة تهدف إلى إذلال النساء وقمعهن وإخضاعهن.
ضحايا منسيات: أرامل حرب
بعد انتهاء حرب إيران والعراق، تُركت عشرات الآلاف من النساء اللاتي فقدن أزواجهن لمواجهة واقع اجتماعي وقانوني يتسم بالحرمان والإيذاء بدلاً من الدعم. ففي كثير من الحالات، جعلت المؤسسات التابعة للدولة، مثل “مؤسسة الشهيد” و”لجنة خميني للإغاثة”، تقديم المساعدات مشروطاً بالزواج المؤقت (المتعة) أو الولاء الأيديولوجي. ويؤكد تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر مؤخراً أن “العنف الجنسي في إيران، بما في ذلك ضد الأرامل والنساء غير المحميات، هو عنف هيكلي وممنهج وتمكّن له الدولة”. كما حذرت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن إيران من أن النساء اللاتي يفتقرن إلى وصاية الذكور معرضات بشكل خاص للاعتداء من قبل عملاء الدولة والمؤسسات الدينية والقضاء الذكوري.
مآسٍ صامتة: من حريق بندر عباس إلى عنف المعتقلات
بعد الحريق الصناعي الهائل في ميناء بندر عباس مؤخراً، والذي أودى بحياة العشرات، تم تجاهل النساء اللاتي فقدن أزواجهن ومصادر رزقهن ومأواهن في أعقابه. وقد عبرت إحدى المستخدمات على منصة “إكس” عن هذا الألم قائلة: “لقد ضربوا أبناءنا واغتصبوا بناتنا… بندر عباس… حرائق، فيضانات، مبانٍ منهارة… لقد عشنا نصف قرن في خوف، ونحن نستعد لأسوأ”. وفي سياق آخر، تم توثيق استخدام العنف الجنسي كأداة للتعذيب بشكل ممنهج في مراكز الاحتجاز خلال احتجاجات عام 2022. فقد وثقت منظمة العفو الدولية عشرات الحالات المؤكدة التي تعرض فيها الضحايا، بمن فيهم فتيات قاصرات، للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي. وأكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق أن العنف الجنسي في إيران هو “أسلوب متعمد للقمع الحكومي”، يهدف إلى الإذلال الجندري وكسر الإرادة السياسية وانتزاع اعترافات قسرية تحت التعذيب.
جريمة ضد الإنسانية
بموجب القانون الدولي، تُعتبر كل هذه الممارسات انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. فبموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، يُصنف الاغتصاب في المعتقلات على أنه تعذيب. كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يُعرّف العنف الجنسي الممنهج ضد المدنيين بأنه جريمة ضد الإنسانية. ورغم ذلك، لم تصادق إيران على أي من هذه الالتزامات الدولية أو تمتثل لها، ورفضت الانضمام إلى بروتوكولات مكافحة الاتجار بالبشر والعنف ضد المرأة، مما يجعل هذه الأنماط الموثقة قابلة للملاحقة القضائية بموجب آليات العدالة الجنائية الدولية.
دعوة عاجلة للتحرك الدولي
لقد أدت الثقافة الذكورية في إيران والإنكار المؤسسي لحقوق المرأة إلى تطبيع العنف ضد الأرامل والنساء غير المحميات. فمن خلال تقليص دور المرأة وحرمانها من سبل الانتصاف القانوني، مكّن النظام من حملة ممنهجة من الأذى القائم على النوع الاجتماعي. هؤلاء النساء لم يفقدن فقط الخبز والمسكن والأبناء، بل فقدن أيضاً استقلاليتهن الجسدية وأصواتهن وكرامتهن.
لذلك، نوجه نداءً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وجميع الهيئات الدولية المكرسة لحقوق المرأة، من أجل:
التحقيق العاجل في العنف الجنسي ضد النساء الإيرانيات كجزء من القمع الحكومي.
إنشاء آليات مستقلة لتوثيق ودعم الناجيات.
محاسبة الجناة، بمن فيهم كبار المسؤولين في الدولة، من خلال العدالة الدولية. إن نساء إيران الصامتات، من تحت الأنقاض وداخل الزنازين، ما زلن يهمسن بأغاني الكرامة. والعالم، إذا اختار ألا يرى أو يسمع، يصبح متواطئاً في هذا الظلام.