موقع المجلس:
شنت الأجهزة الأمنية النظام الملالي حملة قمع و اعتقالات ممنهجة في مختلف أنحاء البلاد. و قام النظام الایراني بهذه الحملة في أعقاب الإضراب الوطني الواسع الذي نظمه سائقو الشاحنات في إيران.
و لقد أسفرت الحملة القمعیة عن اعتقال عشرات السائقين والمواطنين الداعمين لحركتهم الاحتجاجية. کما استخدمت السلطات أساليب التهديد والترهيب وبث الاعترافات القسرية في محاولة يائسة لإخماد صوت هذا الحراك المهني، الذي كشف عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
انطلق الإضراب الشامل لسائقي الشاحنات مطلع شهر يونيو/حزيران احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، بما في ذلك غلاء أسعار قطع الغيار، وتخفيض حصص الوقود، وزيادة رسوم الطرق، وانخفاض أجور الشحن بشكل غير عادل، بالإضافة إلى تجاهل السلطات لمطالبهم المهنية. وسرعان ما اكتسب الإضراب زخماً كبيراً، حيث امتد ليشمل عدداً كبيراً جداً من المدن الإيرانية، مما أثار رد فعل عنيف من قبل المؤسسات الأمنية والمخابراتية.
وتُظهر التقارير الواردة أن حملة الاعتقالات لم تقتصر على منطقة واحدة، بل امتدت لتشمل محافظات ومدن عديدة، من بينها سنندج وديواندره ودهکلان في كردستان، وإسلام آباد غرب في كرمانشاه، بالإضافة إلى رشت، و میناء المسمی بندر خميني، وبندر لنکه، وشيراز، وقزوين، وبهار، وهمدان، وبهبهان.
وتمت الاعتقالات بشكل منهجي ومنظم، حيث أفادت المعلومات بتنسيق مباشر بين وزارة المخابرات والشرطة الأمنية والهيئات العسكرية لاستهداف السائقين المضربين. وفي كردستان، تم التعرف على أسماء عدد من المعتقلين، بينما أفاد اتحاد سائقي الشاحنات في كرمانشاه باعتقال ما لا يقل عن أحد عشر سائقاً في المحافظة. ومن بين الحالات البارزة، اعتقال السائق والمدون شهاب دارابي في إسلام آباد غرب بعد نشره مقطع فيديو ينتقد فيه الأوضاع المعيشية للسائقين. ورغم إطلاق سراحه لاحقاً، تعرضت عائلته لمعاملة قاسية وضغوط نفسية شديدة أثناء اعتقاله، وانتشر مقطع فيديو لوالدته وهي تصرخ “لقد أخذوا ابني” على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما لا يزال السائق علي رضا فغفوري من بهبهان قيد الاعتقال.
ولم تكتفِ السلطات باستهداف السائقين المضربين، بل طالت حملة القمع أيضاً المواطنين الذين أبدوا دعمهم للإضراب. ففي رشت، اعتقلت قوات الحرس في محافظة جيلان مواطناً لمجرد دعمه للحراك. وفي ميناء خميني، أعلن حرس خوزستان عن اعتقال مواطنين اثنين للسبب ذاته، ليظهرا لاحقاً على شاشات التلفزيون الحكومي ويدليا بـ “اعترافات قسرية”، وهي وسيلة دأب النظام الحاكم على استخدامها لتبرير قمعه. كما أعلن قائد شرطة ميناء لنکه عن اعتقال شخص قام بنشر مقطع فيديو لدعم الإضراب وتزويد وسائل الإعلام خارج البلاد به، مما يوضح سعي السلطة لمنع أي تضامن اجتماعي ووصول صوت المحتجين إلى العالم الخارجي.
وعلى الرغم من انتهاء الإضراب رسمياً، فإن آلة القمع لم تتوقف. تواصل قوات الأمن اعتقال النشطاء المهنيين وكل من ساند الإضراب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف خلق جو من الخوف والرعب ومنع تكرار مثل هذه التحركات الاحتجاجية في المستقبل. وتتضمن أساليب الترهيب تهديد السائقين عبر اتصالات هاتفية من قبل أجهزة المخابرات، وإجبارهم على التوقيع على تعهدات بعدم تكرار الإضراب، والتهديد بمصادرة شاحناتهم أو إلغاء رخص عملهم.
وتشير بعض التقارير إلى تدخل حرس النظام الإيراني بشكل مباشر في قطاع النقل عبر إرسال شاحنات عسكرية لكسر الإضراب، وهو ما لا يظهر فقط تدخل مؤسسة عسكرية في الشؤون المدنية، بل يكشف أيضاً عن خوف النظام العميق من القوة التنظيمية والمهنية للسائقين.
إن مجمل هذه الممارسات، من الاعتقالات التعسفية والتهديدات والاعترافات القسرية، يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، وخاصة الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعتبر إيران من الدول الموقعة عليه. فالاعتقالات التي تمت دون أوامر قضائية تنتهك الحق في الحرية والأمان الشخصي (المادة 9). واستهداف الأفراد بسبب تعبيرهم عن آرائهم ينتهك حرية التعبير (المادة 19). وقمع الاحتجاجات المهنية السلمية يعد انتهاكاً للحق في التجمع السلمي (المادة 21) والحق في تكوين النقابات (المادة 22). أما بث الاعترافات القسرية فهو يقوض الحق في محاكمة عادلة (المادة 14).
إن موجة القمع هذه تُظهر مجدداً أن النظام الحاكم لا يتسامح مع أي صوت احتجاجي، سواء كان مدنياً أو مهنياً. ورغم أن إضراب سائقي الشاحنات قد انتهى، إلا أن آثاره على الرأي العام وتشكيل جبهة اجتماعية ضد الظلم لا تزال قائمة، ويشير استمرار القمع إلى خوف النظام من أي حركة تضامنية داخل المجتمع.