موقع المجلس:
موجة عارمة ومتواصلة من الاحتجاجات شهدتها مختلف المدن إيرانیة يوم الأربعاء، 28 مايو 2025، حيث تصدر سائقو الشاحنات المضربون ومزارعو القمح الغاضبون المشهد، إلى جانب فئات أخرى من المتقاعدين والمستهلكين المتضررين. تعكس هذه التحركات الشعبية الواسعة حالة من السخط العميق تجاه الأزمات الاقتصادية الخانقة، والفساد المستشري، وتجاهل السلطات للمطالب الحياتية الأساسية، بينما يواجه النظام هذا الغليان الشعبي بنهجه المعهود في القمع والتنكيل.
احتجاجات متنوعة تهز إيران في 28 مايو:
تحدث سائقو الشاحنات المضربون في محافظة جيلان (انطلاقًا من ميناء أنزلي) عن مشاكلهم المتراكمة منذ سنوات، من تكاليف التأمين الباهظة، وحصص الوقود الضئيلة، وغلاء الإطارات، وانعدام الأمن على حياتهم وبضائعهم، وقال أحدهم: “لم يعد لدينا ما نخشاه، لأنه لم يبق لدينا سوى الألم!”. كما طالبوا بإلغاء التأمين الإجباري، وحصص وقود عادلة، وضبط أسعار الإطارات، وتأمينهم.
في بوشهر، احتج أصحاب اللنجات (المراكب التقليدية) العاملون في الصيد والتجارة أمام مبنى المحافظة، مطالبين بحقوقهم القانونية والتاريخية، ورفعوا شعار: “التجارة البحرية الصغيرة (تَه لِنجي) والصيد، حق لنا نحن سكان الحدود!”. وأكدوا أن سبل عيشهم تدمر بفعل القرارات الجائرة والقيود المفروضة.
وفي طهران، تجمع مشترو سيارات “سوزوكي جراند فيتارا” أمام مقر شركة “راسا موتور خاورميانه”، احتجاجًا على عدم تسلم سياراتهم رغم دفع كامل المبالغ وتلقيهم وعودًا متكررة. وطالبوا بتوضيحات فورية وتسليم السيارات دون تأخير.
شهدت محافظة خوزستان مسيرة احتجاجية حاشدة وغير مسبوقة لآلاف مزارعي القمح، الذين خرجوا إلى الشوارع متوجهين نحو المقرات الحكومية، احتجاجًا على عدم دفع الحكومة لمستحقاتهم عن القمح الذي سلموه منذ شهور. ورفعوا شعارات قوية مثل: “أعطينا القمح، وليس لدينا خبز!” و”أين ذهبت أموال قمحنا؟”.
وفي تفاصيل إضافية من احتجاج مزارعي خوزستان، بمن فيهم مزارعو دشت آزادگان والأهواز، وجه أحد المزارعين المخضرمين نداءً حادًا للمسؤولين وممثل الأهواز، متسائلاً عن سبب تقاعسهم عن دعم الزراعة، ودعاهم للاستقالة إن كانوا عاجزين. وأشار إلى أن وعود دفع المستحقات خلال 48 ساعة تحولت إلى تأخير دام 48 يومًا دون دفع أي ريال، متسائلاً عن ذنب الخوزستانيين المحرومين من حقوقهم.
تواصل الإضراب الواسع لسائقي الشاحنات في 135 مدينة بأنحاء البلاد، حيث توقف التحميل بشكل كامل في مدن مثل الأهواز، وميناء الإمام (سربندر)، وسيرجان، وشهر بابك، وأصفهان، وملاير، وأصبحت محطات الشحن معطلة فعليًا. وجاء الإضراب ردًا على الحصص المنخفضة للوقود، وغلاء قطع الغيار والإطارات، والتأمين الإجباري، وانعدام الأمن. ورغم ذلك، ظهرت بوادر استجابة مثل موافقة منظمة الطرق على إعادة النظر في تعريفة الطن-كيلومتر، وبدء البرلمان والضمان الاجتماعي بمناقشة القضايا، مع استمرار دعم سائقي “نيسان” والأساطيل الأخرى للمضربين الذين أكدوا استمرار صمودهم.
في قم، نظم الخبازون تجمعًا احتجاجيًا بسبب مشاكل جدية كالزيادة المفاجئة في أقساط التأمين، وارتفاع سعر الطحين والخبز، مطالبين بالنظر الفوري في مطالبهم، وهددوا بتوسيع احتجاجاتهم يوم السبت إذا لم تتم الاستجابة خلال 48 ساعة.
في نيشابور، انضم سائقو شاحنات “نيسان” الصغيرة إلى الإضراب العام لسائقي الشاحنات وأساطيل النقل، وأوقفوا العمل دعمًا للمطالب المشروعة للسائقين، مما عكس تضامنًا واسعًا في قطاع النقل. وأكدوا استمرار الإضراب حتى تحقيق المطالب.
وفي کلپایکان، قام سائقو شاحنات “نيسان” الصغيرة المخصصة لنقل الدواجن بإيقاف مركباتهم والانضمام إلى الإضراب العام، تضامنًا مع زملائهم السائقين.
في محلات، دخل إضراب سائقي الشاحنات يومه السادس، حيث واصل سائقو المركبات الثقيلة إضرابهم مع توقف تام لعمليات التحميل وحركة العجلات، مؤكدين أن صوت إضرابهم هو صرخة ضد الظلم وغلاء الوقود وقطع الغيار وتجاهل حقوقهم.
في مدينتي أراك وكرمانشاه، قام سائقو الشاحنات ومركبات النقل الثقيل المضربون باستعراض لقوتهم عبر مواكب من الشاحنات تجوب الشوارع مطلقة أبواق مركباتهم بشكل متواصل، في رسالة احتجاجية ضد الظلم وغلاء الأسعار والتجاهل.
تُظهر هذه الاحتجاجات المتواصلة والمتنوعة، والتي يبرز فيها بشكل خاص غضب سائقي الشاحنات ومزارعي القمح، عمق الأزمة الناجمة عن الفساد المستشري وسوء الإدارة المزمن في مفاصل الدولة الإيرانية. فبينما يعاني الشعب من شظف العيش وتدهور قيمة مدخراته، تستمر السلطات في تبديد ثروات البلاد على مشاريع نووية مثيرة للجدل وسياسات خارجية قائمة على التدخل وتأجيج الصراعات في المنطقة، مما يضاعف من الأعباء الاقتصادية ويزيد من عزلة إيران الدولية. هذا النهج لا يمكن وصفه إلا بالحرب المعلنة على معيشة المواطنين ومستقبلهم.
وبالنسبة للمزارعين، وخاصة مزارعي القمح في خوزستان، فإن معاناتهم لا تقتصر على عدم دفع المستحقات المالية لشهور طويلة، بل تتفاقم بفعل السياسات المائية الكارثية. ويشير العديد من الخبراء والتقارير إلى أن مشاريع بناء السدود الضخمة التي تنفذها جهات نافذة كحرس النظام الإيراني، قد أدت إلى تغييرات بيئية مدمرة وجفاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، مما دفع بالزراعة الإيرانية، لا سيما في المناطق الحيوية مثل خوزستان، إلى حافة الانهيار وساهم بشكل مباشر في تأجيج غضب المزارعين الذين يرون أراضيهم تموت ومصدر رزقهم يُسلب.
إن رد النظام الثابت على هذه الصرخات المحقة هو المزيد من القمع والتجاهل، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان ويدفع بالبلاد نحو المجهول. لكن اللافت في هذه الموجة الاحتجاجية هو اتساع نطاقها، وتنوع الفئات المشاركة فيها، وتنامي الوعي بأن الحلول الفردية أو القطاعية لم تعد كافية. لقد أدرك المحتجون أن وحدتهم وتصعيد احتجاجاتهم هما السبيل الوحيد لانتزاع حقوقهم. إن استمرار هذا المسار، حيث المطالبة بالحقوق الأساسية تقابل بالقمع، وحيث يتسع نطاق الفقر ليشمل شرائح جديدة كل يوم، ينذر بأن إيران لم تعد مجرد برميل بارود، بل إنها تقف على شفا تحول جذري قد يعيد رسم ملامح مستقبلها. فالإرادة الشعبية، متى ما توحدت، قادرة على صنع المعجزات، وربما تكون هذه الاحتجاجات اليومية هي الشرارة التي ستشعل عاصفة التغيير التي طال انتظارها.