الحوار المتمدن-سعاد عزيزکاتبة مختصة بالشأن الايراني:
خلال فترة طویلة و يحاول نظام الملالي بمختلف الطرق أن يظهر نفسه کنظام متماسك وإن کل الامور تجري بصورة سلسة والجميع ملتفون حول النظام، بل وحتى إن خامنئي دعا لمرات عديد أجنحة النظام وأوساطه المختلفة الى الوحدة ونبذ الخلافات، ولکن لايبدو أبدا إن هذا النظام على مايرام وإنه لا يعاني من مشاکل وإنقسامات حادة.
الاحداث والتطورات السلبية التي حصلت والآثار والتداعيات القوية التي ترکته على أوضاع النظام وظهور ضعف وهشاشة النظام وعدم التمکن من إخفاء ذلك، جعل النظام في موقف ضعيف جدا في علاقاته الخارجية عموما وفي المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجه النووي ولاسيما بعد أن توضح بأن النظام لا يتمکن من مجاراة الجانب الامريکي في التفاوض وإن الاخير سيفرض عليه في النتيجة شروطه وخياراته، وهذا ما أثار عاصفة من الذعر داخل النظام لأنه لو تم الاذعان والرضوخ للشروط والمطالب الامريکية فإن ذلك يعني بأن النظام سيصبح أضعف بکثير من الوقت الحالي وإن جداره الامني سوف يصبح في خطر لأن إبرام إتفاق إستسلامي”وهو أمر محتمل” من شأنه أن يفجر برکان الغضب الشعبي الايراني خصوصا وإن الشبکات الداخلية لمنظمة مجاهدي خلق قد قامت بدورها على أفضل ما يکون من حيث جعل الارضية والاجواء مناسبة أکثر من أي وقت مضى للانتفاضة الکبرى المنتظرة بوجه النظام.
لهذا السبب، وفي في تطور لافت يعكس تصاعد الصراعات الداخلية في قمّة هرم السلطة، تفجرت خلال الأيام الأخيرة معركة سياسية وإعلامية علنية بين أجنحة النظام الإيراني، تمحورت حول مستقبل المفاوضات النووية والعلاقات مع الغرب، حيث إن حرس خامنئي وأذرعه الاعلامية يرفعون شعار”لا تفاوض تحت التهديد” فيما تسعى حکومة بزشکيان الى التهدئة وفتح مسارات دبلوماسية ولو بشکل غير معلن.
حدة الخلافات بين جهاز الحرس وبين حکومة بزشکيان من حيث مسألة التفاوض مع الولايات المتحدة، قد برزت بشکل واضح على أثر الافتتاحية النارية التي نشرتها صحيفة”جوان” التابعة للحرس في 4 مايو 2025، والتي جاء فيها:” منذ اليوم الأول لرئاسة دونالد ترامب، بدأت الولايات المتحدة باستخدام التهديد والمفاوضات بالتوازي. كان الهدف، وفق قراءتنا، خلق صراع داخلي بين الشعب والنظام من خلال الضغط الاقتصادي والتحريض الاجتماعي. من هنا نحذر: لن نقبل مواصلة المفاوضات تحت التهديد والعقوبات المتواصلة.”، ومن دون شك فإن هذا التحذير وکما هو واضح موجه وبصورة مباشرة الى لحکومة بزشکيان وهو بمثابة رسالة مفادها أن جناح الحرس لن يسمح بتكرار “تجربة روحاني” أو أي تقارب دون موافقته الكاملة.
والملفت للنظر، إن صحيفة”کيهان” المحسوبة بشکل مباشر على خامنئي، قد شنت هجوما قاسيا على حکومة بزشکيان في مقال تحت عنوان”ماذا تملك الحكومة غير التفاوض؟” وجاء في المقال: “التركيز على المفاوضات تجربة يجب ألا تتكرر. لقد أثبتت السنوات أن الطرف الغربي دائما ما يفشل الاتفاقات ويفجرها بالمطالب الزائدة. هل لدينا خطة بديلة؟ أم أن الحكومة اختارت طريق الاستسلام مجددا؟” والمثير للسخرية أن الامر لم يتوقف عند حد الاتهامات، بل وصل الى الشتائم الصريحة من حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي في صحيفة”کيهان” والذي کتب ساخرا من أداء الحکومة:” بعض المسؤولين عاجزون إلى درجة أنهم لو ركبوا جملا، لعضتهم الكلاب!” كما اتهمها بالتقصير في السيطرة على السوق السوداء للعملة، متهما إياها بـ”ترك فعل لا يغتفر” تجاه الصرافين الذين ينفذون تعليمات قناة تلغرامية مصدرها أمريكا.
والحقيقة إن هذا الصراع بين الحرس والحکومة اللذان هما بمثابة جناحين للنظام، ليس مجرد خلاف على اسلوب ادارة الازمة النووية وإنما هو صراع على السلطة في ظل نظام يواجه أزمته الاکبر والاخطر منذ 4 عقود.