موقع المجلس:
خرجت یوم الخمیس 10 آوریل في شوارع إيران نداءات متكرّرة، لا من أفواه شباب غاضب أو طلاب محتجين، بل من أصوات شابت من العمر والتجربة، أصوات المتقاعدين، أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة وطنٍ لم يعد يعترف بهم. نعم تتعالی هذه النداءات في زمنٍ تتبدّل فيه موازين الكرامة والحقوق، ويُقاس الإنسان بما يملكه لا بما قدّمه.
في مدنٍ عديدة من إيران، ومنذ أشهر بل سنوات، تتكرر المشاهد: رجال ونساء في العقد السادس والسابع من العمر، يرفعون لافتات بسيطة ويهتفون بشجاعة وسط العاصمة طهران وفي شوارع مشهد وأصفهان والأهواز وكرمانشاه وسنندج. هتافاتهم ليست شعارات ثورية بقدر ما هي نداء استغاثة من شعبٍ متروكٍ لمصيره.
بين لقمة العيش وكرامة الإنسان
في عالمٍ الحر يتغنى بتكريم كبار السن ويمنحهم مكانة اعتبارية في المجتمع، يُنظر إلى المتقاعد على أنه مرآة القيم الوطنية. أما في إيران، تحت نظام ولاية الفقيه، يتحول التقاعد إلى عقوبة اجتماعية، وبطاقة مرور إلى الفقر المُذل.
تشير التقديرات إلى أن معظم المتقاعدين في إيران يتقاضون رواتب لا تكفي حتى لتغطية ربع احتياجاتهم الشهرية، في حين تجاوز خط الفقر في البلاد حاجز الـ35 مليون تومان، وفقًا لتقارير صحفية داخلية. ومع ذلك، يُترك هؤلاء المواطنون لمواجهة الغلاء والتضخم والعوز دون أي اكتراث حكومي.
من الاحتجاج المعيشي إلى المطالبة السياسية
في البداية، كانت مطالب المتقاعدين تتعلق بزيادة الرواتب، ودفع المستحقات، وتوفير التأمين الصحي. لكن مع مرور الوقت، ومع تفاقم الأزمات، تبدّلت لغة الاحتجاج، وأصبح الهتاف أكثر حدة ووضوحًا:
– عارنا، عارنا، هذه الحكومة وهذا البرلمان العار علينا.
– يا قاليباف، استحِ واترك البرلمان.
– يا رئيس الحكومة، لقد كذبت على الشعب.
– الحكومة والبرلمان معًا يظلمان الشعب.
– فقط في الشارع… يُنتزع حقّنا.
شعارات من هذا النوع، التي تُسمع في طهران وأهواز وكرمان، تعبّر عن وعي سياسي متزايد بأن المشكلة ليست في وزارة أو مؤسسة، بل في بنية النظام بأكملها.
الشيخوخة تحت القمع
وإن كان النظام الإيراني لا يتردد في قمع الطلاب والنساء والعمال، فهو كذلك لا يرحم المتقاعدين. ففي يناير 2025، قامت القوات الأمنية بقمع تظاهرة سلمية للمعلمين المتقاعدين في طهران، مستخدمة غاز الفلفل والضرب بالهراوات ضد رجال ونساء مسنين خرجوا يطالبون بحقوقهم. مشهدٌ يعكس حجم الانحدار الأخلاقي والسياسي الذي بلغته الدولة.
المتقاعد… ضمير وطن
يُقال إن “الكبار شموع الدار”، وإن احترامهم مقياس حضارة الشعوب ورجاحة العقول. فما بالكم بمن يقف تحت المطر وفي وجه الرصاص، يطالب فقط بحقّه في العيش بكرامة؟ أليس من الخزي أن يُعامل من أفنى عمره في خدمة وطنه كعبءٍ على ميزانية لصوص السلطة؟
ما يفعله المتقاعدون في إيران اليوم ليس مجرد احتجاج، بل إعلان شرف وكرامة في وجه سلطة لم تعرف سوى الغدر بالشعب.