موقع المجلس:
اضحی في الآونة الآخیرة نظام الملالي محاصرة بازماة متفاقمة و متعددة ، مما ظلّ الرعب والانتفاضة يُطارد هيمنة خامنئي.و لقد جاء خطاب علي خامنئي في صلاة عيد الفطر لعام 2025 ليكشف عن قلق بالغ وهواجس استراتيجية تُخيّم على رأس النظام الإيراني في لحظة مفصلية من تاريخه. فقد تحدّث خامنئي، بلغة يغلّفها التهديد والحذر، عن احتمالين خطيرين يُهددان استقرار نظامه: حرب خارجية، وانتفاضة داخلية. هذا الاعتراف المبطّن يُعدّ مؤشراً على ارتباك غير مسبوق يعكس التصدّع الكامن في بنية نظام ولاية الفقيه.
وصرّح خامنئي قائلاً: «يهددوننا بالشرّ. لسنا على يقين بأن الشرّ سيأتي من الخارج، ولكن إن حصل، فسيتلقّون ضربة قاسية. وإذا سعوا لإشعال الفتنة في الداخل، فإن الشعب الإيراني سيتولى الرد».
هذا التصريح، وإن بدا في ظاهره موقفاً تقليدياً، إلا أنه ينطوي على دلالات عميقة تعكس خوفاً مزمناً من سقوط الهيبة وفقدان السيطرة.
فالنظام القائم على ولاية الفقيه، والذي يُمثّل خامنئي عموده الفقري، يدرك أن اهتزاز هذه الولاية لا يُضعف سلطته فحسب، بل يُهدد بانفجار صراعات بين الأجنحة المتناحرة داخل النظام، التي طالما توارت خلف مظلة سلطته المطلقة. ومع غياب هذا المحور، فإن المشهد الداخلي مهيّأ للتفكك والانهيار، وربما الفوضى.
وقد عبّرت إحدى الصحف الرسمية عن هذه المخاوف بوضوح، محذّرة من «ثورة الجياع» التي قد تشعلها الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، حيث كتبت: «في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة، فإن أي توتّر داخلي، سواء بفعل أطراف داخلية أو تأثير خارجي، سيُفضي إلى تعميق الأزمة. والمراقبون السياسيون يرون أن احتمال اندلاع احتجاجات واسعة عام 1404 أكثر ترجيحاً من أي وقت مضى. ويُعدّ سيناريو “ثورة الخبز” تهديداً جديّاً. وقد أثبتت التجارب في عامي 2019 و2022 أن أي شرارة اجتماعية قد تُشعل احتجاجات شاملة» (صحيفة شرق، 31 مارس).
الانتفاضة الداخلية… هاجس الانهيار من الداخل
يتّضح من خطاب خامنئي أن هاجسه الحقيقي لا يكمن في تهديد خارجي بقدر ما يتمثل في انتفاضة شعبية قد تعصف بالأسس التي يقوم عليها نظامه. ولعلّ استخدامه لمفردة «الفتنة» يحمل دلالة واضحة على مخاوفه من عودة مشاهد الانتفاضات العارمة التي اجتاحت الشارع الإيراني خلال السنوات الماضية، انطلاقاً من مطالب معيشية ووصولاً إلى شعارات تطالب بإسقاط النظام.
وما يثير الانتباه أن خامنئي، عوضاً عن معالجة جذور هذه الأزمات، يلجأ إلى مضاعفة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية كوسيلة للردع. ويبدو أنه استوحى من تجربته خلال أزمة كورونا، حيث استخدم الإغلاق والعزلة الاجتماعية كأداة للسيطرة. أما الآن، فقد اعتمد سياسة التجويع والتضييق المعيشي، ظنّاً منه أن الشعب المنهك لن يجد الفرصة ولا الإرادة للثورة. لكن هذا النهج، وإن كان ناجعاً مرحلياً، إلا أنه يحمل في طياته بذور الانفجار المؤجل.
دور المقاومة الإيرانية ووحدات الانتفاضة
وسط هذا المشهد المضطرب، تبرز المقاومة الإيرانية، وخصوصاً وحدات الانتفاضة، كفاعل أساسي في الحفاظ على جذوة الثورة حيّة. فرغم تجاهل خامنئي للإشارة إليهم صراحة، إلا أن تركيزه المتكرّر على «الفتنة» يُشير إلى إدراكه بوجود تنظيم نشِط يعمل لإسقاط حكمه من الداخل.
وقد أثبتت هذه الوحدات، عبر شجاعتها وتحركها في عمق المجتمع، أنها قادرة على تحويل مشاعر الغضب إلى فعل ميداني منظّم. وكلما توهّم النظام أنه نجح في قمع نار الثورة، أشعلت هذه الوحدات شرارات جديدة، تؤكد استمرار روح المقاومة في أرجاء البلاد.
استعراض سلطة أم اعتراف بالهشاشة؟
خطاب عيد الفطر لخامنئي لم يكن سوى مرآة تعكس قلقاً عميقاً ومأزقاً وجودياً يعيشه النظام. فالجمع بين لغة الحرب الخارجية والتحذير من الفتنة الداخلية، إنما يعكس قناعة خامنئي بأن نظامه يواجه خطر السقوط من الداخل والخارج على السواء. غير أن الاستراتيجية المزدوجة التي يعتمدها – أي التهديد العسكري والضغط الاقتصادي – قد تمنحه هدنة مؤقتة، لكنها لن تصمد أمام زخم المقاومة وتصاعد الغليان الشعبي.
إن مستقبل النظام القائم على ولاية الفقيه، عند هذه النقطة المفصلية من تاريخه، يزداد غموضاً يوماً بعد آخر. فالحسم لم يعُد بيد المرشد، بل بيد الشعب، وبإرادة مقاومة لا تلين، تُبشّر بولادة فجر جديد لإيران.