موقع المجلس:
واجه الاقتصاد الإيراني، الواقع تحت هيمنة النظام الإيراني، في السنوات الأخيرة، تحديات متزايدة، أبرزها الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الأساسية، وفي مقدّمتها اللحوم الحمراء، التي تُعدّ أحد أهم مصادر البروتين الحيواني في سلة الغذاء العائلية للمواطن الإيراني.
أسعار اللحوم في مطلع عام 2025
وفقاً لأحدث البيانات، بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم 1,085,000 تومان، فيما بلغ سعر الكيلوغرام من راسته مغز الغنم 1,350,000 تومان، ووصل سعر لحم الفخذ الخاص إلى 1,889,000 تومان. أما لحم العجل، فقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الفخذ 859,000 تومان، ومن كتف العجل 829,000 تومان. كما قفزت أسعار لحوم أخرى مثل لحم الساق إلى أكثر من مليون تومان، بينما سُعّر مغز فخذ الغنم الخالي من العظم بـ 2,190,000 تومان. أما الشقة الكاملة للغنم بوزن 10 كغ، فقد وصلت إلى 8,890,000 تومان، أي ما يعادل نحو 889,000 تومان للكيلوغرام الواحد.
وتشير مقارنة هذه الأسعار مع مثيلاتها في العام الماضي إلى ارتفاع يتجاوز 50٪ في بعض الأصناف، ما شكّل عبئاً كبيراً على العائلات ذات الدخل المحدود.
انعكاسات الأزمة على الشرائح الفقيرة
تتحمّل الشرائح الفقيرة، مثل العمال بالأجر اليومي والعاطلين عن العمل وأصحاب الدخول المنخفضة، العبء الأكبر من هذا التضخم الغذائي. ووفقاً لتقارير مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى، لم يكن بمقدور سوى الطبقات الثلاث العليا من المجتمع، في عام 1397 (2018م)، تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية (نحو 2367 سعرة)، بينما عجزت الشرائح السبع الأدنى عن ذلك، وقد تفاقم هذا التفاوت في السنوات التالية بسبب التضخم المتسارع.
وصل متوسط استهلاك اللحوم الحمراء للفرد ضمن الشرائح الثلاث الدنيا إلى أقل من 25 غراماً شهرياً. وفي تصريح تلفزيوني، كشف مهدي سروي، الباحث في مركز “الاقتصاد المقاوم” والمستشار الاقتصادي للحكومة عام 1402، أن متوسط استهلاك اللحوم الحمراء للأسرة الإيرانية لا يتجاوز 8 كغ سنوياً، بينما يهبط إلى 2 كغ فقط لدى الأسر من الشرائح الدنيا، أي ما يعادل نحو 700 غرام للفرد سنوياً.
وبحساب أسرة مؤلّفة من ثلاثة أفراد، فإن الاستهلاك الوطني العام لا يتجاوز 2.67 كغ للفرد سنوياً، وهو رقم متدنٍ بالمقارنة مع المعايير التغذوية الدولية التي توصي بما لا يقل عن 12 كغ سنوياً. هذه المتوسطات تُخفي تفاوتاً صارخاً، فالفجوة بين 700 غرام و2.67 كغ تعكس حرماناً واسع النطاق للفقراء من مصدر بروتيني أساسي.
هذا التفاوت في الاستهلاك، الذي يعني حرمان ملايين الإيرانيين من حتى كيلوغرام واحد من اللحم الأحمر سنوياً، يحمل تداعيات خطيرة على الاقتصاد الاجتماعي والصحة العامة. فالعديد من هؤلاء ينتمون إلى القوى العاملة أو المتقاعدين ذوي الدخل الثابت، ويعجزون عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، مما يُبرز فشل السياسات الحكومية في دعم الفئات الهشّة وضبط الأسواق.
كارثة صحية واجتماعية
في الوقت الذي توصي فيه المعايير الغذائية بتناول 180 غراماً من البروتين يومياً للفرد، فإن الواقع في إيران يشي بوضع أكثر خطورة في عام 1404، مع اشتداد التضخم وتراجع القدرة الشرائية للشرائح الفقيرة.
فلم يعد انخفاض استهلاك اللحوم مجرّد انكماش في الموائد العائلية، بل مؤشراً على تهديد حقيقي للصحة العامة. وقد بات سوء التغذية أحد أبرز مظاهر الأزمة، وهو ما يُنذر بتداعيات بعيدة المدى تشمل تراجع الإنتاجية، وزيادة النفقات الصحية، وتآكل رأس المال البشري في البلاد.
الجذور البنيوية للأزمة
ارتفاع أسعار اللحوم ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو نتيجة مباشرة لهيكلية النظام الإيراني، القائم على النهب المؤسّس، وتغذية الحلقة المقرّبة من الحكم، وتعميق التفاوت الطبقي، وتصعيد القمع والحروب.
فقد أدّى اعتماد سياسة تخصيص العملة التفضيلية (4200 تومان) منذ عام 2018 لضبط أسعار السلع الأساسية – بما فيها الأعلاف الحيوانية – إلى إثراء المافيات المرتبطة بمكتب خامنئي. وتشير التقديرات إلى أنّ كل زيادة بنسبة 1٪ في دعم كيلوغرام واحد من لحم الدجاج كانت تصبّ بنسبة 61٪ في جيوب هذه المافيات.
إلغاء العملة التفضيلية وتحويلها إلى أسعار السوق (سعر “نيما” أو المنصة الثانية) لم يؤدِ سوى إلى مزيد من الغلاء، دون أي ضبط للأسواق.
إن أزمة اللحوم الحمراء في إيران تمثل مرآة تعكس فساد النظام، وفشل سياساته، وتعمّق الفجوة الطبقية. أما الفقراء، وهم عماد القوى العاملة ومستقبل البلاد، فهم من يدفعون الثمن الأغلى في هذه المعادلة المختلّة.