موقع المجلس:
استقبل الإيرانيون رأس السنة الفارسية (عيد النوروز) تحت وقع كارثة طبيعية جديدة. و هذا المشهد الذي تکرر عام بعد عام فبدلاً من الاحتفاء بتجدد الطبيعة ومظاهر الفرح، واجهت مناطق عدّة في البلاد فيضانات جارفة تسببت في خسائر بشرية ومادية واسعة، وسط تساؤلات متزايدة حول أداء النظام الإيراني في إدارة الأزمات البيئية.
الفيضانات تضرب شمال وغرب البلاد
منذ 20 مارس/آذار 2025، شهدت محافظات جيلان وكرمانشاه وإيلام أمطاراً غزيرة سرعان ما تحولت إلى سيول جارفة. ففي جيلان، أدّت الأمطار الغزيرة في 23 مارس/آذارإلى انهيارات أرضية وقطع أكثر من 200 طريق ريفي، فيما فُقد شخصان وأُلحقت أضرار جسيمة بالمنازل والمزارع. وفي كرمانشاه، اجتاحت المياه قرية داربدره وألحقت خسائر كبيرة بالمزارعين ومربي المواشي. أما في إيلام، فقد تسببت الفيضانات في غمر الشوارع وتدمير منشآت خدمية.
توقعات جوية خادعة… وواقع مرير
المفارقة أن التوقعات الجوية الرسمية، التي صدرت قبيل عطلة النوروز، استبعدت حدوث فيضانات شاملة. رئيس مركز الأرصاد الجوية، صادق ضيائيان، أكد في تصريحات رسمية أن البلاد لن تشهد تكراراً لفيضانات عام 2019. إلا أن الأمطار الكثيفة التي هطلت خلال أيام معدودة، كشفت خللاً كبيراً في دقة التنبؤات وقدرة الدولة على الاستجابة السريعة.
خسائر بشرية ومادية جسيمة
وفقاً لتقارير محلية، تسببت الفيضانات في نزوح مئات الأسر وتدمير مزارع ومنازل وتضرر البنية التحتية، من جسور وطرق وخدمات عامة. وقد شكّلت هذه الأضرار ضربة قاسية لسكان المناطق الريفية الذين يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي كمصدر أساسي للعيش.
نقص البنى التحتية… الحلقة الأضعف
أظهرت الكارثة الأخيرة مجدداً هشاشة البنية التحتية في إيران، خاصة في المناطق الريفية والجبليّة. انعدام أنظمة الصرف المناسبة، وتدهور الطرق، واستمرار البناء العشوائي في مجاري السيول، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الأوضاع. كما أن توقيت الكارثة تزامن مع حركة السفر المكثفة خلال عطلة النوروز، مما زاد من تعقيد عمليات الإغاثة والإنقاذ.
فشل إداري أم قدر طبيعي؟
رغم أن السيول تُعد من الظواهر الطبيعية، فإن خبراء البيئة يشيرون إلى أن آثارها الكارثية يمكن تجنّبها أو تقليلها من خلال التخطيط المسبق والاستثمار في البنى التحتية وتحديث أنظمة الإنذار المبكر. وتؤكد دراسات علمية أن تدهور الغطاء النباتي، وتراجع الغابات، وغياب الصيانة المنتظمة للمجاري المائية، تُعدّ من الأسباب الرئيسة لتكرار الكوارث.
ويرى مراقبون أن النظام الإيراني يتّبع ما يمكن وصفه بـ”سياسة التجاهل المتعمد”، حيث يتنصّل من مسؤولياته تجاه إدارة الأزمات الطبيعية. فرغم توفّر الإمكانات الفنية والمعرفية، تُظهر الوقائع أن مؤسسات الدولة تتعامل مع الكوارث بروح التبرير لا الوقاية، ما يفاقم معاناة المواطنين ويعمّق فجوة الثقة.
وفي ظل التقدّم العلمي الهائل، باتت إدارة الكوارث الطبيعية من المهام الأساسية لأي دولة حديثة. ويشدد خبراء على ضرورة إعادة تأهيل الغابات، وتوسيع مشاريع الحواجز والسدود، وتحديث أنظمة الصرف، إلى جانب إطلاق حملات توعية مستدامة. كذلك فإن تطهير المجاري المائية من الرواسب، ورفع كفاءة السدود، يُعدّان من الأولويات القصوى.
وأمام تكرار الكوارث الطبيعية وتضاؤل قدرة الدولة على التعامل معها، يبرز سؤال جوهري: هل تمثل أرواح الإيرانيين وأمنهم المعيشي أولوية لدى النظام الإيراني؟ أم أن الموارد تُصرف في اتجاهات أخرى، على حساب الداخل المنكوب؟