الحوار المتمدن-سعاد عزيزکاتبة مختصة بالشأن الايراني:
يبدو واضحا بأن الاوضاع في إيران وعلى الرغم من الحرص البالغ لنظام الملالي من أجل السيطرة على الاوضاع والسعي في سبيل عدم السماح بتفاقمها، لکن لا يبدو أبدا بأن الحظ يحالف النظام ولاسيما وإن خياراته في العمل من أجل تحسين الاوضاع أو حتى الحد من سيرها نحو الأسوأ، معدومة تماما، ومن هنا، فقد إجتاحت موجة جديدة الاحتجاجات مدن إيران عموما والعاصمة طهران خصوصا حيث خرج العمال والممرضون والمتقاعدون وسكان عدة محافظات إلى الشوارع مطالبين بالإصلاحات الاقتصادية والشفافية ووضع حد للفساد المنهجي. وقد قوبلت بعض هذه الاحتجاجات بالقمع، مما يعكس تصاعد الغضب الشعبي بسبب التضخم وتدهور ظروف العمل وسوء إدارة الموارد العامة.
الملفت للنظر، إنه ومن جراء تفاقم الاوضاع وتزايد الاحتجاجات وتوسع دائرتها، فإن إسقالة جواد ظريف وکذلك إقالة وزير الاقتصاد عبدالناصر همتي، تعکس محنة النظام وورطته المستعصية في مواجهة تلك الاوضاع عموما وأزمته الخانقة التي تمسك بتلابيبه خصوصا، ولاسيما وإن وزير الاقتصادوخلال جلسة لبرلمان النظام، صرح بأنه وخلال السنوات السبع الماضية، انحدر ما لا يقل عن 10 ملايين شخص في إيران تحت خط الفقر.
وإعترف وزير الاقتصاد في تلك الجلسة البرلمانية بجوانب أخرى من الانهيار الاقتصادي والفساد المستشري في النظام، حيث أشار إلى أن معدلات التضخم في إيران تجاوزت 40% على مدار سنوات متتالية. كما أشار إلى حجم الفساد الهائل في البلاد، مؤكدا أن عمليات تهريب السلع في إيران تتجاوز 30 مليار دولار سنويا، إضافة إلى تهريب ما لا يقل عن 20 مليون لتر من الديزل يوميا. وأضاف همتي أنه لا يعلم الجهات أو المؤسسات التي تسيطر على موانئ التهريب، رغم أن العديد من المسؤولين في السنوات الماضية أكدوا مرارا أن الحرس الإيراني يمتلك أرصفة مخصصة لعمليات التهريب.
الاحتجاجات التي أشرنا لها في بداية المقال، عکست وخامة الاوضاع المعيشية للشعب الايراني الذي صارت أغلبيته تعيش تحت خط الفقر، وقد طالب المحتجون بتعديل الرواتب بما يتناسب مع التضخم، وإلغاء دور الوسطاء المتعاقدين، وتنفيذ نظام تصنيف الوظائف بشكل كامل. ورددوا شعارات مثل: “يكفي وعودا، موائدنا فارغة!” و”اصرخوا من أجل حقوقكم – العدالة، العدالة!”، في تعبير عن استيائهم من تجاهل الحكومة لمطالبهم.
ومن المفيد هنا أن نلفت النظر الى إن الاقتصاد الإيراني يعيش حالة احتلال داخلي بفعل السياسات الفاشلة للنظام الإيراني، والتي لا تكتفي بخلق الأزمات، بل تسعى إلى التلاعب بالأرقام لإخفاء حقيقتها. ففي حين تحاول الدول المتقدمة مواجهة الأزمات الاقتصادية بشفافية وإجراءات إصلاحية تخفف من الأعباء المعيشية، يتبع النظام الإيراني سياسة التعتيم والتضليل، مما يزيد من عمق الأزمة.
کما إن عدم تناسب الأجور مع تكاليف الحياة، والتلاعب بالإحصائيات الاقتصادية، وتجاهل معاناة الشعب، كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة. وطالما لم يتم تبني سياسات اقتصادية واقعية تصب في مصلحة الشعب، فإن الضغوط المعيشية ستستمر في التصاعد، مما سيدفع بالمزيد من الفئات إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها المسلوبة.