موقع المجلس:
تواجه إيران انهيارًا اقتصاديًا متسارعًا، حيث تتزايد معدلات التضخم، وتنهار قيمة العملة، وترتفع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، مما يدفع البلاد نحو الفوضى. حتى داخل أروقة النظام، لم يعد المسؤولون قادرين على إنكار الكارثة التي تتكشف أمامهم، ليس بدافع القلق على الشعب، بل خوفًا على بقائهم في السلطة. لقد كشفت الجلسات البرلمانية الأخيرة عن حكومة تعيش حالة من الفوضى التامة، حيث بدأ النواب، الذين يشعرون بأن الأرض تهتز تحت أقدامهم، في توجيه الانتقادات اللاذعة إلى الرئيس مسعودبزشکیان، ليس من أجل معالجة معاناة الملايين، بل لمحاولة النأي بأنفسهم عن انهيار النظام الحتمي.
في جلسة علنية يوم 25 فبراير، لم يتردد النائب جواد نيكبين في توجيه هجوم لاذع على حكومةبزشکیان، قائلاً: “هل زرت السوق مؤخرًا؟ بهذا المستوى من التضخم، هل يمكنك حتى شراء لفت؟ هل يمكنك تقديم البطاطا لضيوفك؟” وأضاف محذرًا: “توجه حكومتكم كارثي. إذا لم تغيروا مساركم، فالإقالة حتمية. إن لم تتغيروا، فسنقوم بتغييركم!”
وفي ظل هذه المواجهات الساخنة، تكشف الأرقام واقعًا أكثر قتامة. فقد أشار النائب حبيب قاسمي إلى أن قيمة الريال الإيراني فقدت 50% من قيمتها خلال الأشهر الستة الماضية، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للإيرانيين إلى النصف. وأضاف: “كيف يمكن للناس أن يعيشوا؟ صناعاتنا تنهار بالفعل، والآن المصانع تغلق أبوابها لثلاثة أيام أسبوعيًا بسبب انقطاع الكهرباء والغاز والمياه. هل هذه هي خطتكم للنمو الاقتصادي؟”
أما النائب صمصامي، فقد قدم صورة اقتصادية أكثر قتامة، مشيرًا إلى أن “منذ عام 1989، فقد الريال 10,000 ضعف قيمته، بينما ارتفعت أسعار الذهب بمقدار 620 ضعفًا، وقفزت أسعار المساكن بمقدار 2,175 مرة.” وأضاف أن السياسات الاقتصادية المتبعة لم تفشل فقط في القضاء على الفساد، بل زادته بنسبة 88%. كما حذر من أن رفض الإصلاحات الهيكلية سيؤدي إلى المزيد من الأزمات الاقتصادية وتعميق الفجوة الاجتماعية.
ميزانيات ضخمة للمؤسسات الدينية على حساب الشعب
في الوقت الذي يكافح فيه الإيرانيون لتأمين احتياجاتهم الأساسية، اختارت الحكومة أن تمنح الأولوية لمؤسساتها الدينية على حساب الشعب. فقد كشفت صحيفة اعتماد الحكومية أن ميزانية المؤسسات الدينية زادت بنسبة 900% بين عامي 2021 و2025، بينما لم تشهد رواتب العمال أي تحسن يذكر. وتساءلت الصحيفة: “لماذا؟ لماذا في الوقت الذي سحق فيه التضخم رواتب الموظفين الحكوميين، تنمو ميزانيات مؤسسات مثل المجلس الأعلى للحوزات العلمية وجامعة المصطفى الدولية بوتيرة أسرع من ميزانية الدولة نفسها؟”
وفي ظل هذه السياسات، أصبحت تكاليف المعيشة أكثر استنزافًا للناس. وفقًا لصحيفة روزکار خودرو، فقد تضاعفت أجرة المترو في طهران ثلاث مرات، حيث باتت تكلفة الرحلة ذهابًا وإيابًا 14,000 تومان، مقارنة بـ 6,000 تومان سابقًا عبر السيارات. هذه الزيادة أثقلت كاهل العمال الذين يعتمدون على وسائل النقل العام.
حكومةبزشکیان تتفكك أمام أعين الجميع
مع تصاعد الأزمة الاقتصادية، يبدو أن الرئيس مسعود بزشکیان يفقد السيطرة على حكومته. فقد وجه له النائب علي شيرين زاد انتقادات مباشرة قائلًا: “لقد عقدت اجتماعًا في وزارة الاقتصاد وقلت: ’تغيير الأشخاص لن يغير شيئًا.‘ إذن، لماذا تستمر في تغيير الوزراء؟ ما فائدة هذه التغييرات المستمرة إذا كانت لا تحل أي شيء؟” كما هاجم تركيز الحكومة على الضغط على النواب لمنع إقالة وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، بدلًا من تقديم حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية.
تفاقمت الأمور مع تصاعد الحديث عن إقالة وزير الاقتصاد، مما كشف الانقسامات الداخلية العميقة داخل النظام. ففي حين يحاول بزشکیان إنقاذه، فإن البرلمان يشهد حالة من التمرد، حيث يتهم النواب بعضهم البعض بالرشاوى والصفقات الخلفية. وخلال إحدى الجلسات، انفجر النائب مجتبى زارعي غاضبًا قائلاً: “لقد حولوا هذا البرلمان إلى سوق! بعض النواب يُنقلون إلى الفنادق ويتم شراؤهم بالمال والمنافع. بينما نحن الآخرون نتعرض للتشويه—الناس يسألونني كم تقاضيت؟ تبًا لهذا النظام!”
أما رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، فقد حاول تهدئة الوضع قائلاً: “يجب ألا نسمح لهذه الاتهامات بأن تضر بصورتنا.” لكن الضرر كان قد وقع بالفعل، وتحولت الجلسة إلى مشادات وصراخ، مما فضح مدى الفساد المستشري في أروقة السلطة.
الانفجار الشعبي بات وشيكًا
وفي جلسة أخرى يوم 24 فبراير، حذر النائب أحمد مرادي من أن “التضخم وانهيار الريال قد كسرا ظهر الشعب. الناس فقدوا الأمل. البطالة بين الشباب تتفاقم. شراء منزل؟ أصبح مستحيلًا. حتى استئجار منزل بات حلماً بعيد المنال.”
وفي سياق متصل، التقى الولي الفقيه علي خامنئي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في اجتماع بطهران، حيث طالبه بالإفراج عن 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة في الدوحة. وأكد خامنئي أن إيران تتوقع استعادة هذه الأموال رغم الضغوط الأميركية، في إشارة إلى مدى اليأس الاقتصادي الذي وصل إليه النظام. اللافت أن التغطية الإعلامية الإيرانية لهذا الاجتماع افتقدت للغة الانتصارات الدبلوماسية المعتادة، مما يعكس ضعف موقف النظام على المستوى الإقليمي.
المعادلة تتغير.. والنظام يترنح
الواقع على الأرض يؤكد أن الأمور تخرج عن السيطرة. في جميع أنحاء إيران، تزداد الاحتجاجات العمالية والمظاهرات الشعبية والإضرابات الاقتصادية. المتقاعدون، عمال المصانع، الطلاب، وأصحاب المحلات التجارية يخرجون إلى الشوارع مطالبين بوضع حد لأزمة اقتصادية لم تعد تحتمل.
وأخيرًا، أكدت بيانات مركز الإحصاء الإيراني ما يعرفه الجميع مسبقًا: ارتفعت أسعار السلع المستوردة بنسبة 53.8% خلال عام واحد فقط، في حين أن الإنتاج المحلي يتقلص بسبب انقطاع الكهرباء وأزمات الطاقة. ومع تفاقم الأزمات، فإن النواب لا يتقاتلون لإنقاذ الشعب، بل لإنقاذ أنفسهم. لكن مع نفاد صبر الشارع، لم يعد السؤال ما إذا كان النظام قادرًا على إنقاذ الاقتصاد، بل ما إذا كان قادرًا على البقاء في السلطة أصلًا.